تكوّن الأمة في الشرق: إيران نموذجاً - TopicsExpress



          

تكوّن الأمة في الشرق: إيران نموذجاً مصطفى الجرف أورينت نت 27/6/2013 أريد أن أعترف منذ البداية أنني أتنطح هنا, بإشارات سريعة وعبارات قد لا تكون محكمة, لمسألة كبيرة شديدة الخطورة أقرّ بأنها تحتاج إلى دراسات متعمقة مفصلة يقوم بها باحثون أكاديميون لا كتاباً هواة غير متخصصين كما هو حال من هو مثلي. ولقد ترددت كثيراً في الخوض فيها لمعرفتي بتقصيري, ولكنني لم أستطع في النهاية مقاومة الرغبة في إظهار هذه المسألة مغامراً بعرضها و لو بشكل عام و مجمل و بطريقة قد لا توفي مطالب الإحكام و الإتساق و الشمول الكافي, نظراً لأنني أعتبر أن تركيز الضوء عليها سوف يساعد كثيراً في فهم ما يجري في سوريا اليوم. سوف أطرح أولاً المسألة المقصودة بشكل افتراضي, وسأعالج بعدها بعض النماذج التاريخية الرئيسية آملاً في أن تلك النماذج سوف تكون قادرة على إثبات صحة هذه المسألة. المسألة المقصودة هنا هي العلاقة بين الفكرة القومية وبناء الأمة القومية من جهة, والأصولية الدينية أو المذهبية من جهة أخرى. والفرضية التاريخية التي أستند إليها هي أن شعوب الشرق الأدنى لم تعرف في تاريخها أبداً أن تميز بين الدين من جهة والقومية من جهة أخرى؛ لقد كان الدين دائماً ومنذ زمن طويل جداً تعبيراً مباشراً أو غير مباشر عن الهوية القومية لكل شعب من شعوب هذا الشرق, أو يمكن القول أيضاً أن القومية كانت تعبّر عن نفسها دائما عن طريق الدين, وفي كل الأحوال كان هذان المفهومان مرتبطان دوما وقريبان جداً في الشعور الجمعي لشعوب الشرق؛ يعضّد أحدهما الآخر بشكل يبدو أنه لا فكاك منه. النموذج الأول الأبرز والأنجح الذي يوضّح صحة هذه المسألة, ومدى وثوقية العلاقة بين القومية والدين, بشكل أفضل من غيره هو مثال إيران. حيث نشأت الأمة الإيرانية الحديثة التي نعرفها الآن من الإرتباط الشديد بين الأصولية المذهبية الشيعية الإثني عشرية من جهة والنزوع القومي الفارسي من جهة أخرى. لقد غطّت الثورة الإسلامية التي أنهت حكم العائلة الأمبراطورية البهلوية وأقامت الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979 على أهمية الثورة الصفوية التي قامت عام 1501, والتي كانت ثورة دينية بالدرجة الأولى استطاعت أن تقتلع المذهب السني الذي كان المذهب الشائع عند أغلب أفراد الشعوب الإيرانية في ذلك الوقت, وأن تفرض عليهم مكانه المذهب الشيعي الإثني عشري بالقوة وبحد السيف, ولكن الثورة الصفوية كانت هي الحدث التأسيسي الذي بني عليه كل تاريخ إيران الحديث. كانت تلك ثورة مدفوعةً بدافع قومي واضح لتمييز الشعب الفارسي عما عداه, وخلق أمة إيرانية موحدة مستقرة ومستقلة وقوية بعد فترة طويلة من التمزق والإضطراب والخضوع والضعف. لقد نفّذ اسماعيل, الرجل القوي المؤسس للدولة الصفوية, مشروعه هذا بمنتهى الحزم والقسوة, وخلال السنوات العشرة التي أحكم فيها سيطرته على تبريز ثم أذربيجان ثم الجنوب الغربي لإيران وأخيرا خوراسان اتخذ عدة اجراءات أساسية كان من شأنها إرغام السكان السنة على التشيع بدون أية إمكانية للإفلات: فقد أعلن أولا أن دين الدولة الرسمي هو المذهب الشيعي الإثني عشري, وعين وزيرا أول مهمته الوحيدة هي الإشراف على تطبيق هذا المذهب, وخيّر العلماء والفقهاء السنة بين إعلان التشيع أو السيف ففر بعضهم من البلاد وذبح البعض الآخر, وتمت مصادرة جميع أملاك الأوقاف السنية وحولت جميع مساجد السنة إلى حسينيات شيعية. كان اسماعيل يريد أن ينشر مذهبا يميز به الدولة الصفوية الإيرانية الناشئة في وجه النفوذ التركي السلجوقي أولا ثم العثماني تالياً, والذي كان ذا طابع إسلامي سنّي طاغ في كل الأحوال. وقد اختار الإعتماد على التشيع الإمامي الإثني عشري دون غيره من مذاهب التشيع التي كانت أكثر شيوعا في تلك الفترة في إيران كالتشيع الزيدي أو التشيع الإسماعيلي, لأن التشيع الزيدي كان تشيعا مسالما وتصالحيا في مواجهة السنة, أما الإسماعيلية فقد كانت في مراحل احتضارها الأخيرة بعد تدمير دولتهم على يد المغول والتتار قبل أكثر من قرنين من الزمن إضافة إلى طابعها الباطني النخبوي والسري و الطبيعة غير الأورثوذكسية لعقائدها مما يجعلها غير صالحة لكي تكون دينا يعتنقه العامة. من هنا تظهر ميزة المذهب الشيعي الإثني عشري كمذهب يحمل شحنة قوية من العداء للسنة من جهة, ولكنه يبقي على الإلتزام بالأركان والعقائد والعبادات الأساسية كما يحددها الإسلام الأرثوذكسي مما يجعل من غير الممكن اتهامه بالكفر أو بالهرطقة وما يجعل قبوله بين العامّة أمراً ممكنا وسهلا, خصوصاً إذا أيّده سيف السلطان الذي لا يرحم ولا يعتق أحداً. في ذلك الوقت, كان المذهب الإثني عشري ضعيفا في إيران لدرجة أن اسماعيل, الذي أراد تأسيس طبقة جديدة من رجال الدين تخدم هدفه, قام باستجلاب علماء الدين الشيعة العرب من جبل عامل في جنوب لبنان ومن منطقة النجف في جنوب العراق عندما لم يجد في إيران رجال دين شيعة فارسيين مؤهلين لهذه المهمة, وقد وهب هؤلاء العلماء من الأراضي والعطايا ما جعلهم يقيمون بشكل دائم في إيران. ولكن على الرغم من تصميم اسماعيل على تحقيق مشروعه والوسائل القاسية جدا التي اتبعها لهذا الغرض من قتل وسجن وتهجير للسكان السنّة الذين امتنعوا عن تغيير دينهم وللعلماء السنة على وجه الخصوص, فقد استغرق الأمر قرابة قرن كامل, أي حتى وصول الحكم إلى عباس الأول وغزوه بغداد عام 1608, وتكوين طبقة إكليروس إثني عشرية فارسية قوية ومستقلة للمرة الأولى في التاريخ مع ظهور رجل الدين البارز محمد باقر مجلسي, وتحويل العبادات وجميع كتب التأليف والبحوث الدينية إلى اللغة الفارسية بعد أن كانت تكتب بالعربية. وعند ذلك فقط تمّ اكتمال التحول الديني الكبير للشعب الفارسي في إيران, وتخلّق الأمة الإيرانية التي ما زالت قائمة حتى اليوم بطابعها المزدوج والمترابط الفارسي-الإثني عشري. orient-news.net/?page=news_show&id=4118
Posted on: Thu, 27 Jun 2013 04:07:58 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015