ما الذي يجعلني مؤهلًآ لأن أكون أبًا - TopicsExpress



          

ما الذي يجعلني مؤهلًآ لأن أكون أبًا ؟ بل السؤال الأدق هو: ما الذي يجعلني مؤهلًآ لكي أكون أبًا لطفلة في جمالك ؟ ما اسمها ؟ سألتني مسؤولة التسجيل لتحضير شهادة الميلاد عنك . اسمها جنى” أجبت بسعادة للمرة المئة للسؤال التكرر منذ ولادتك . “ما اسمها الكامل؟” عدلت سؤالها . “جنى باسم كردي” أجبت وتنبهت للمسؤلية الكبيرة التي أصبحت على عاتقي. الحقيقة هي أن اسمي هو أبسط ما سأتركه لك بعد أن أرحل لبارئي أو تقرري أنت المغادرة للسعي وراء أحلامك . لن يتطلب الأمر أكثر من ٥ دقائق كي تمحي اسمي من سجلاتك الرسمية . لذلك لم أتفهم يومًا هوس بعض الأشخاص بإنجاب “ابن” يقوم بحمل اسمهم . ما ستكتسبينه مني أكبر وأعمق من ذلك . شعري وعيني وغيرها من الملامح الخارجية تبدو واضحة قي وجهك البريء منذ الآن لكن ذلك ليس بالأهم أيضًا . إنها تلك القيم والصفات والطباع ومئات الأمور الغير محسوسة التي ستحمليها للأبد هي ما تقلقني وتشعرني بالمسؤولية المهولة . كيف أتناول فطوري صباح كل يوم . كيف أركض لعملي خوفًا من أتأخر دقيقة . كيف أرفض الغش الدراسي بكل شغف! كيف أطمح لأهداف تفوقني كفرد وتتعداني إلى جامعة ووطن ودين . كيف أتعامل مع رؤسائي وزملائي ومن هم دوني في جميع المراحل والمواقف . كيف أنام وكيف أستيقظ . كيف أخشع في صلاتي ليلًا . كيف أحرص على تخصيص وقت لعائلتي الصغيرة الخاصة والكبيرة أيضًا . كيف أن الدم لا يتحول يومًا لماء كما يقول أبي وجدك. وكل صفاتي السيئة من انشغال بالعمل . حبي للحلوى على أنواعها . جيناتي المحتوية على أمراض حساسية عديدة . ضعف تواصلي مع المقربين مني . كيف كنت خجولًا جدًا وأنا طفل حتى كسرت هذه الصفة . كيف أكون وكيف سأصبح . موجودة أنت دائمًا تراقبينني بعينيك الصغيرتين . تتشربين كل ما أفعل وما لا أفعل . تتشكل شخصيتك منذ أول يوم ولدت فيه حتى تقرري فيه الاستقلال بعيدًا عني وعن أمك . ما الذي يجعلني مؤهلًا لكي أكون أبًا لك ؟ كوني طبيب أطفال ظننت أنه سيسهل المهمة لكن كم كنت جاهلًا ! من السهل علي جدًا أن أنصح أمًا حديثة بالتزام الرضاعة الطبيعية لطفلها مع عشر نصائح متعلقة بذلك ولن يكلفني الأمر دقائق لقول ذلك ومن ثم أنطلق لرؤية المريض التالي بينما لا يعرف أحد ما عاناته تلك الأم الحديثة إلا أم مرت مثلها بمعاناة إطعام رضيع . تمثلين تحديًا أكبر مما مثلته لي جميع كتب الطب واختباراتها . ليس لديك كتاب إرشادات وجميع ما أعرفه لا ينطبق عليك لأنك ابنتي . جاهل أنا عندما يتعلق الأمر بك . أعرف جيدًا أفضل طريقة طبية لتنويم الطفل لكنك عندما تبكين أجدقلبي يرنو لتجاهل جميع الطب الذي أعرفه كيف أقوم بحملك والسير بك حول شقتنا الصغيرة حتى تهدأ حنجرتك المنهكة من البكاء . ما الذي يجعلني مؤهلاً لكي أكون أبًا لك ؟ كوني ابنًا يحاول أن يكون بارًا ولم يعرف يومًا بمقدار التعب الذي عاناه أمه وأبوه حتى لحظة هذه اللحظة . قول متكرر ومحفوظ أنك لن تعرف حتى تجرب رغم ذلك كنت غرًا أظن أني أعرف . يسهر أبي وأمي هلى راحتي منذ أن ولدت وحتى زيارتي الأخيرة لجدة وإن كانت أمي خرجت للتو من عملية كبيرة إلا أنها تحاول أن تقوم بخدمتي وأنا الشاب المستصح ! أنا أيضًا أكتسب الكثير من الأمور منك ! تجبرينني على إعادة النظر في علاقتي الشخصية مع أهلي . كثير من الأخطاء من الجهتين ! وأعدك أني سأبذل قصارى جهدي لكي أنقل إليك جميع الأمور الجميلة التي عشتها وأنا طفل . حتى مع الغرباء أنت تعلمينني الكثير . أحاول أن أراجع نفسي مع كل طفل مريض سأراه وسأتذكر ذلك الشعور الذي شعرته عندما تأخرت في البكاء لثوانٍ بعد ولادتك . ذلك القلق النهم الذي يستولي على الكيان . أطلب الغفران من جميع من الأطفال وذويهم الذين قصرت في رعايتهم بصورة أو أخرى من قبل . الأب والأم يبدأ مشوار السعادة والقلق والمشاعر المختلطة معهما بمنذ أن يعرفا بخبر الحمل . أتذكر جيدًآ تلك الليلة . مفاجأة جميلة كنت وفي توقيت لم يكن أمثل وإن حاولنا . ومنذ تلك الليلة انهلت علينا العديد من الأخبار الحلوة . هل لك دور في ذلك ؟ ربنا كريم ويغدق في عطائه لعله رأى فيك وفي أبويك ما يتطلب العطاء . والآن ولدت وبعد ٣ أيام أبدأ مشواري العملي من جديد بأمريكا . للأسف ذلك يعني الكثير من الغياب المحتم الذي لا أريد . أول يوم أتركك فيه يبتدئ جدوليي الساعة السابعة صباحًا وينتهي التاسعة مساءً . يالها من فترة طويلة للغياب! وتلك ماهي إلا أول رحلة طويلة ستتطلب الكثير من التضحيات مني ومن أمك ومني . حتى أمك المتعبة ستبدأ مشاورها الجديد في غضون أسبوعين وأنت لم تكملي الشهر ! إن كان صعبًآ علي تركك فهو أصعب على أمك التي حملتك في بطنها كل هذه الأشهر ! إن كنت تظنين أنك تعبت يومًا في أمر فدعيني أؤكد لك أن لم تتعبي كما تعبت أمك في حملها حتى يقدر الله وتحملين مع زوج صالح . الجنة تحت أقدام الأمهات لأسباب أيقنت بها خلال رحلة حملك وولادتك . دعينا لا نتحدث عن موضوع الزوج الآن ! ففي ثاني يوم من عمرك القصير لم أملك إلا أن تغافلني دمعة وتنهمر عندما كنت أنا وأمك وأنت معًا في غرفة المستشفى الباردة وأتينا على ذكر ذلك . من هذا الذي يستحق ظفرًا من أظافرك الصغيرة؟ كنت وعدت نفسي بأني لن أصبح أحد “أولائك الآباء” المهوسون بأبنائهم لدرجة إزعاج الآخرين بهم لكن أرى خللًا في نفسي لا أقدر على منعه . نظرة منك تجعل جميع أسواري تنهار . كم أنت رقيقة وهشة وبحاجة إلى العطف والحنان . لا أستطيع النوم جيدًا دون الاستقياظ المتكرر كي ألقي عليك نظرة من فترة لأخرى لأطمأن عليك . فقط لأرى أمك أو جدتك يقومان بنفس الأمر . كم محاطة أنت بالحب أيتها الصغيرة وأنت لا تعرفين ! ما الذي يجعلني مؤهلًآ لكي أكون أبًآ لك ؟ الحقيقة هي أني لا أملك جوابًا واضحًا اليوم لكن ما أوقن به هو أنه لم ولن يحبك أحد حبًا غير مشروط كما أحبك أنا وربما هذا سبب كافي .
Posted on: Sun, 09 Jun 2013 22:06:22 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015