ولا بالتساؤل كيف أصبحتْ "طبيعيّة" - TopicsExpress



          

ولا بالتساؤل كيف أصبحتْ "طبيعيّة" ولماذا ولِمَ الآن؟"حكْم القانون،" "الحكْم الرشيد،" "الحوْكمة،" "الشفافيّة،" "الملْكيّة الفكريّة"... ما هو تاريخُ هذه الكلمات؟"اقتصاد المعرفة،" "التنمية البشريّة،" "الموارد البشريّة"... كيف حلّت هذه المصطلحاتُ مكانَ "التنمية الاقتصاديّة" و"الموارد الطبيعيّة"؟"مبادرة،" "ريادة،" "قيادة،" "تطوّع"... لِمَ الآن؟ قيادة مَنْ، ومن أجل ماذا؟ والتطوّع في ماذا؟كيف احتلّتنا تلك الكلماتُ؟ من أين اتتنا؟ وما هي البنية التحتيّة التي سهّلتْ "سفرَها" إلينا؟ وما هي علاقتُها بالمرحلة التاريخيّة العربيّة الراهنة، مرحلةِ الاستعمار الأميركيّ الجديد؟كلمات طُُبّعت بسبب اعتبارها جزءًا من العولمة التي يُنظر إليها، بدورها، وكأنها ظاهرةٌ طبيعيّةٌ حصلتْ من دون تدخّل أحد، وأدّت الى رفع الحواجز بين الدول، بحيث أصبح العالمُ "قريةً صغيرةً" غابت فيها العلاقاتُ السلطويّةُ وأصبحتْ للأفكار "جوانحُ تساعدها على الطيران." إنّ هذه النظرة إلى العولمة تمنعنا من فهم عمليّة صناعة الأفكار وإنتاج المعرفة وتسويقِها لمصلحة الاستعمار، ولمصلحة النخَب الاقتصاديّة في بلادنا. وأما اعتبارالعولمة "قوّةً ناعمةً" تسهّل النهبَ والاستعمار، فيسمح بتفكيك البنية التحتيّة لنقل المصطلحات والأفكار، بدلاً من الاعتقاد بأنّ هذه الأخيرة تسافر في شتّى الاتجاهات من دون أن تفرضها أيُّ جهةٍ معيّنة.في هذه الورقة تُعتبر عمليّةُ نقل هذه الكلمات غير بريئة، بل جزءٌ من الاستعمار الأميركيّ الجديد الذي يرتدي عباءةَ العولمة، التي هي ـ بدورها ـ رديفٌ لاقتصاد السوق الحرّة، أو لما يُسمّى النظام الاقتصاديّ النيوليبراليّJ. Petras & H. Veltmeyer, Empire and Imperialism: The Globalizing Dynamics of Neo liberal Capitalism (London: Zed Books, 2005).. ويعتمد هذا الاقتصادُ على تغييب القطاع العامّ، وتحويلِ الدولة من دولة خدماتٍ إلى دولة أمنيّة. وفي هذه الدولة يُترك المواطنون لرعاية أنفسهم، بينما تنهمك تلك الدولةُ أولاً في تهيئة المناخ لجذب الاستثمارات الأجنبيّة ـ أيْ تسهيل عمليّات النهب؛ وفي تهيئة الموارد البشريّة للعمل عند المسثمرين ثانيًا في المحافظة على "الأمن" وقمعِ أيّ اعتراض على الظلم الناجم عن ذلك النهب، المترافقِ عادةً مع فتح الأسواق.David Harvey, A Brief Hisotry of Neoliberalism (Oxford: Oxford University Press, 2005)وإذا كان الاستعمار يلجأ أحيانًا إلى الدعاية (البروباغندا) الرخيصة لاستقطاب القلوب والعقول، فقد تنبّه أيضًا إلى أهميّة استخدام "التخصُّصيّة المهنيّة" التي تُعتبر أكثر قدرةً على إقناع النخَب ضمن الشعوب المستعمَرة. فـ"التخصّصيّة" تعطي الانطباعَ بحياد يمكّن من تغييب المساءلة عن أهداف "الاختصاصيين" الغربيين وارتباطهم بمصالح بلادهم السياسيّة. ويسهّل هذه المهمّةَ تراكماتُ عُقدِ نقصٍ كوّنها لدينا الاستعمارُ السابقُ والحاليّ.Y. Dezalay & G. Garth, The Internationalization of Palace Wars: Lawyers, Economists, and the Contest to Transform Latin American States (Chicago: University of Chicago Press, 2002).هذه الورقة تتناول دور "التخصُّصيّة" في تسهيل الهيمنة الاستعماريّة، ومن ثم تسهيل النهب، وذلك من خلال تسليط الضوء على مصطلحاتٍ تنتمي إلى ثلاثة محاور. المحور الأول يتناول المصطلحات القانونيّة الجديدة كـ "الحكم الرشيد" و"الملْكيّة الفكريّة." والمحور الثاني يلقي الضوءَ على اقتصاد المعرفة وما يتعلّق به من تنميةٍ بشريّة ورأسمالٍ بشريّ. وأما المحور الثالث فيتعلّق بالعمل مع الشباب، وثقافة الريادة والقيادة والمبادرة.1ـ المصطلحات القانونيّةأ ـ عن القانون والاستعمار. للقانون علاقةٌ عضويّةٌ بالاستعمار الغربيّ، استخدمه دائمًا لنهب ثروات الشعوب الأصليّة من أراضٍ ومعادن، ولاستعباد عمّالها، وذلك في أميركا الشماليّة، وأميركا الوسطى، وأفريقيا، وآسيا الوسطى، والشرقِ الأوسط. وقد ساعد على ذلك أمران. الأول هو مقارنةٌ خاطئةٌ روّجها الاستعمارُ، إذ صَوّر الغربَ مالكًا أوحدَ للقانون الذي تفتقر إليه الشعوبُ الأخرى؛ ولذلك فقد "توّجب" على ذلك الغرب نشرُ القانون كجزءٍ من "رسالته التمدينيّة" للشعوب الأخرى.Laura Nader, The Life of Law (Berkeley: University of California Press, 2003). والثاني هو ترويج "حياد" القانون، من خلال التركيز على تخصّصيّته، أيْ على أنّه مهنة لا تتعطاها سوى فئةٍ من المختصّين به. ومن ثم تغيب أسئلةٌ من نوع: قوانين مَن؟ ومن أجل من؟ ومَن يضعها؟ وما هي القوانين التي تُغيّر؟ وما هي أهدافُها السياسيّة؟وإذا كان الاستعمارُ في عصر الاقتصاد الليبراليّ قد روّج فكرةَ تغيير القوانين من أجل "التنمية،" فإنّ الاستعمار الجديد في عصر اقتصاد السوق يروّج فكرةَ تغيير القوانين من أجل "دمقرطة" العالم النامي. ولمّا كان هذا الاستعمارُ الجديدُ يتّخذ من العولمة غطاءً له، فقد دأبت النخبُ الاقتصاديّةُ على الترويج لفكرة افتقار الدول النامية إلى مقوّمات النظام الاقتصاديّ المؤسّساتيّ اللازم لانضمامها إلى السوق العالميّة ـ ذلك الانضمام الذي هو وسيلتُها "الوحيدةُ" للتنمية. وهكذا فإنّ خطاب "القانون" يكرّس فكرة "التفوّق الغربيّ" الذي لازم الاستعمارَ دائمًا. ومن هنا تربط المؤسّساتُ الماليّةُ العالميّة، كالبنك الدوليّ وصندوقِ النقد ومنظّمةِ التجارة العالميّة، إقراضَ دول العالم الثالث بتغيير القوانين، وذلك من أجل فتح أسواقها أمام الاستثمار الأجنبيّ. كما أنّها تسوّق خطابًا قانونيّاً "غربيّاً" يسهّل نهبَ العالم النامي من خلال عمليّات التفاوض اللاضميريّة مع الشركات العابرة للقارّات.Y. Dezalay & B. Garth, Global Prescriptions: The Production, Exportation, and Importation of a New Legal Orthodoxy (Ann Arbor: University of Michigan Press, 2002).من المهمّ التركيزُ هنا على أنّ معطم الوسائل "القانونيّة" التي تُستخدم حاليّاً لنهب دول العالم النامي قد استُخدمتْ في فتراتٍ سابقةٍ من الاستعمار في أنحاء مختلفةٍ من العالم. وهكذا فإنّ قوانين "فتح الأسواق" و"الحوْكمة" التي تفْرضها المنظّماتُ الاقتصاديّةُ العالميّة قد استُخدمتْ سابقًا من قبل رجال الأعمال والمصرفيين الغربيين، بالتعاون مع النخب الاقتصاديّة المحلّيّة، من أجل فتح شرايين أميركا اللاتينيّة وتسهيل نهبها، على ما يُظهر إدواردو غاليانو.Edwardo Galeano, Open Veins of Latin America (???) كما استخدمها الاستعمارُ سابقًا في أفريقيا لتسهيل نقل العبيد إلى أميركا. وهي تُستخدم اليومَ في القارّة السوداء لتسهيل نقل/نهب البترول والمعادن والموروث الحضاريّ في تلك القارّة. ثم إنّ لفتح أسواق العراق وأفغانستان بالقوّة رديفَها التاريخيَّ في الصين خلال حروب الأفيون في القرن التاسع عشر، حين فُرضتْ قوانينُ التجارة الحرّة بغيةَ استيراد المخدِّرات من التجّار البريطانيين خلال فترة الاستعمار البريطانيّ. بل إنّ قوانين حماية الصناعات الغربيّة، التي تعتمد على فرض ضرائبَ عاليةٍ على البضائع المستورَدة إلى الدولة المستعمِرة، في الوقت الذي تُستباح فيها أسواقُ العالم النامي، إنما هي سياسةٌ استخدمها الاستعمارُ السابقُ، وتحديدًا البريطانيّ، في البنغال.L. Nader and U. Matteo, Plunder (New York and London: Routledge, 2007).التغيير الوحيد الذي طرأ على استخدام القانون في عمليّات النهب في عصر العولمة، عصرِ الاستعمار الأميركيّ، هو في فصل القانون عن السياسة الاقتصاديّة، ومن ثم التركيز على أنّ دور القانون ينحصر بتأمين الفاعليّة الاقتصاديّة، لا العدالة الاجتماعيّة. فوظيفة القانون في عصر العولمة هي تأمينُ تسهيلُ "الاستثمار،" والمحافظةُ على حقوق "الملْكيّة والملْكيّة الفكريّة"... أيْ، باختصارٍ شديد، تحويلُ القانون إلى صديقٍ للسوق والنخَب الاقتصاديّة. وإفراغُ القانون من السياسة ـ أيْ تفريغُه من دوره في إعادة توزيع الثروات ومن أيّ نظامٍ قيميّ/أخلاقيّ - يشكّل الحجرَ الأساسَ لتسهيل النهب المقنَّن الذي تقوم به المؤسّساتُ الماليّةُ والشركاتُ العابرةُ للقارّات. والحال أنّ التغييرات "القانونيّة" لاستباحة الأسواق المحلّيّة تجري عادةً تحت عنوان "تحديث القوانين من أجل الحكم الرشيد وسيادة/حكم القانون." فما هو تاريخُ هذا المصطلح؟ وما علاقتُه بالديمقراطيّة أو اللاديمقراطيّة؟ب ـ سيادة/حكم القانون والحكم الرشيد. تنبع فكرةُ "سيادة القانون" أو "حكم القانون،" ومرادفُها "الحكمُ الرشيد،" من أنّ القانون أمرٌ تقنيّ، لاسياسيّ، مستقلٌّ عن المجتمع ومؤسّساته، لا علاقة له بتوزيع الثروة ولا بالعدالة الاجتماعيّة، بل همُّه الأولُ إيجادُ سوق فعّالة تخدم "الديمقراطيّة" (بمعناها النيوليبراليّ).المفارقة هي أنّ مصطلح "سيادة القانون" نشأ من أجل خدمة النخَب المالكة. فأوّلُ استعمالٍ له حصل في بريطانيا، حين احتدم الصراعُ بين البارونات والملك جايمس الأول حول قانون التحديث الذي كان التيودريّون يحاولون تطبيقَه. إذ اعتبرت الأرستقراطيّةُ المالكةُ للأراضي الإصلاحَ خطرًا عليها بسبب اقتراحه الآيل إلى الحدّ من الملْكيّة وإعادة توزيع الثروة، وتعاطَفَ القضاةُ مع البارونات، ووجد السير إدوارد كوك مخرجًا لمنع الملك من تطبيق برنامجه الإصلاحيّ، وذلك بإدخال مصطلح "سيادة القانون" بهدف إبعاد الملك عن المحاكم العامّة. كذلك الأمرُ في الولايات المتحدة: فقد كان أولُ استخدام للمصطلح محاولةُ من الرئيس جايمس ماديسون لحماية حقوق الأقليّة المالكة ضدّ الأكثريّة غير المالكة، أو (بتعبيره) من أجل حماية الأقليّة من ظلم الأكثريّة.Mattei Ugo, Basic Principles of Property Law: A Comparative Legal and Economic Introduction (Greenwood: 2003).وفي عصر العولمة، أو عصر الاستعمار الجديد، اعتمد المصطلح على العوامل التالية:أولاً، مؤسّسات تحمي الملْكيّة الفكريّة وحقوق التملّك، وتحدّ من تدخّل الحكومات. وهذا المعنى هو الذي يروّجه رجالُ الأعمال بهدف فتح أبواب الاستثمار واستباحة أسواق العالم النامي.ثانيًا: حكومات تحفظ القوانينَ المستحدثة، وتدعم القطاعَ الخاصَّ وتحارب الفقر. وتعبير "محاربة الفقر" في هذا السياق، وهو تعبيرٌ حلّ محلّ "توزيع الثروات" أو "العدالة الاجتماعيّة،" يهدف إلى التحكّم بالفقراء من أجل ضمان سكوتهم عن النهب الذي يُقترف باسم القانون والمحافظة على الأمن، أمنِِ الشركات العابرة للقارّات.Y. Dezalay & B. Garth, Global Prescriptions: The Production, Exportation, and Importation of a New Legal Orthodoxy (Ann Arbor: University of Michigan Press, 2002)ج ـ الملْكيّة الفكريّة.
Posted on: Fri, 13 Sep 2013 22:16:04 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015