قـراءة فـي مدارس الجسد - TopicsExpress



          

قـراءة فـي مدارس الجسد المعاصـر.. سامر محمد إسماعيل هناك خلط واضح بين عدة أنواع من الرقص تحت مسمى «الرقص التعبيري» إذ إننا نقول عن أي راقص على المسرح «إنه يقدم رقصاً تعبيرياً» وهذا يذكرني بالتسمية الخاطئة لقسم الرقص التعبيري في المعهد العالي للفنون المسرحية، كونه يُستخدم مجازاً وهو ليس تعبيراً دقيقاً أو احترافياً، فالرقص التعبيري كان ثورةً على مناهج الرقص الكلاسيكي وقد أبدعته الراقصة الأمريكية «إيزادورا دنكان (1878 ـ 1927) وهي أول من اشتغل ضد الكلاسيك، ودعت إلى تحرير الجسد من القوالب الجاهزة ومن القصة البسيطة في الرقص؛ أو ما يُسمى «الحكاية اللطيفة» على نحو «كسارة البندق»، «الجميلة النائمة»، «موت البجعة» إذ كان شعار هذا الرقص العودة للطبيعة، وقد استوحى الرقص التعبيري موضوعاته من الميثولوجيا وفن النحت، فعلى الرغم من الفوارق العديدة بين مدارس الرقص الكلاسيكي «إنكليزي، روسي، إيطالي» فإنها تشكل بمجموعها وحدةً ما ذات أساس واحد ومتشابه، لكن عندما نقول «تعبيري» فإننا نقصد فعلاً المرحلة الثورية التي قادتها إيزادورا دنكان ضد الرقص الكلاسيكي بمدارسه المتنوعة. هناك مظاهر عديدة ألغتها دنكان من الرقص فقد خلعت حذاء الباليه الـ «point» وفردت شعرها متحررةً من الصورة النمطية لراقصة الكلاسيك «المرأة ذات الشعر الملفوف خلف الرأس»، وذلك لأن هناك فهماً في الرقص الكلاسيكي يقول: إن الشعر يؤدي إلى إعاقة حركة الراقص، كما استغنت دنكان عن الكولون الزهري لراقص بحيرة البجع وعن كل مفردات اللباس التقليدي لراقص الباليه، وأهمها التنانير البيضاء التي كانت من روح ذلك الرقص الأرستقراطي، فالباليه بالأصل نشأ في بلاط الملوك الفرنسيين وعلى رأسهم «لويس ملك الشمس». لقد حررت إيزادورا الجسد تماماً من قيوده الخارجية، وغيّرت الأفكار البسيطة التي كانت تعتمد عليها عروض الكلاسيك، كما أنها كسرت المكان التقليدي للعرض أي دار الأوبرا، فقدمت عروضها في الحدائق العامة والساحات والمسارح الصغيرة، وذهبت إلى أفكار أكثر عمقاً معتمدةً على موضوعات إنسانية وحالات نهلت من اليومي؛ خارجةً عن سياق القصة ذات النهايات السعيدة، وهذه كانت الخطوة الأكثر جرأةً والأهم في تاريخ الرقص بشكل عام، ما عرّضها آنذاك لنقد شديد من أتباع الرقص التقليدي؛ فأهم ما يميز الرقص التعبيري هو المبالغة في طريقة إظهار المشاعر التي تتخطى العفوية ولاسيما في تعابير الوجه والجسد معاً، فالألم مثلاً يُجسد بطريقة دراماتيكية ومبالغ بها، وهو تراجيدي على نحو يخرج عن التلقائية بمعنى آخر، هو طهراني وأرسطي، تقريباً لم يعد هناك أي تقنية جسدية في هذا الرقص، وهناك إلغاء لأي إبهار جسدي كرد فعل على المظهر الكلاسيكي في الرقص القديم الذي كان يقارب عروض السيرك الاستعراضي، وهذا ما فعلته دنكان حين قلّصت حركة الراقص؛ لتصبح حركات يومية محض بعيدة عن الآلية والمنهجية القديمة في الكلاسيك. طبعاً، وقعت دنكان في مأزق له علاقة بافتقاد تقنية بديلة لما هدمته في الرقص الكلاسيكي، فالتعبيرية لم تقدم تقنية رقص؛ بل كانت ثورة معنوية أكثر منها ثورة في الأدوات، فليست هناك مدرسة اسمها «مدرسة دنكان الحركية» بل هناك مدرسة نابعة من التعبير بلا أي قالب أو اتجاه محدد؛ فيما استطاعت حركة الرقص الحديث التي جاءت على يد الراقصة الأمريكية «مارتا غراهام (1894 ـ 1991) بداية القرن العشرين أن تعطي بديلاً حركياً منهجياً عن المدرسة الكلاسيكية، فهناك تقسيم للجمل الحركية ووصف دقيق لها، تماماً كما كان في الكلاسيك، أو نمط الحركة، فأعطى هذا الرقص أسماءً للحركات المستخدمة قيدوا بها الرقص مجدداً. ورغم الغنى الحركي لهذا النوع فإنه ظلَّ مُحدداً بالقوالب التي وُضعت من أجله، لكن ما زالت هناك حتى اليوم مدارس وأتباع لهذا الاتجاه في كل العالم يشتغلون وفق هذه التقنية، وأهم ما يميز موضوعات الرقص الحديث هذا التنوع الواضح من ثيمات سياسية، اجتماعية، وخيالية، لكن الآلية ظلت سمة مميزة قدمت دراسة لكل حركة؛ فموضوع الارتجال غير وارد إطلاقاً في الرقص الحديث لأن كل عرض يقترح ما يجب أن يقوم به الراقصون على الخشبة، إنه مدروس ومُنوَّط وفيه شيء من التأطير، كما أن هناك عامل الإبهار، والحفاظ على المسافة الجسدية بين الراقصين الذين يؤدون الثنائية أو الثلاثية الراقصة، هناك شغل أيضاً على عضلات الراقص «الشاب الذي يحمل الفتاة» وهنا يقترب الرقص الحديث من الرقص الكلاسيكي، كونه هناك تواصل بسيط بين راقص وآخر أو بين راقصة وأخرى، أعني التلامس الجسدي المعتمد على القوة العضلية عند الراقص الرجل، وهو لا يعتمد مراكز لثقل الجسد أو دراسة تشريحية له. ظهر بعد ذلك تيار الرقص المعاصر الذي أخذ الكثير من الحديث والكلاسيك معاً، وانقلب عليهما بشكل كامل، مع ضرورة أن مَنْ يريد أن يؤدي رقصاً معاصراً عليه أن يكون راقص كلاسيك جيداً، وأعني هنا الكلاسيك الذي تطور تشريحياً، فالكلاسيك القديم الذي تمثله مدرسة الباليه الروسية أساسها التشريحي خاطئ ومؤذ جداً للجسد، وهذا ما يعطي انطباعاً عاماً أن الرقص الكلاسيكي مؤذٍ، والعمر المهني لراقصيه قصيرٌ جداً. إذاً، هناك أخطاء فادحة في تقنية الكلاسيك تشريحياً وأبسط خطأ هو كيفية تطبيق الوضعيات الخمس المعروفة لأقدام الراقص، وهذا ما أثبته طب الرقص عبر دراسات متعاقبة وطويلة، فالرقص المعاصر يعتمد على الرقص الكلاسيكي المُحسَّن تشريحياً، وعلى سلامة البناء العضلي للراقص، من خلال فهمه لجسده، إن الرقص المعاصر يعتمد كثيراً على الارتجالات الحركية Contact Impprovisation وهذا اتجاه خالص في حد ذاته، إذ إنها تعتمد على العلاقات الحركية بين راقصين وما فوق، وهي لا تعتمد على القوة العضلية بقدر ما تعتمد على الفهم العميق للتشريح وآلية حركة الجسد ونقاط الثقل بين الجسدين، باختصار الرقص المعاصر منفتح جداً ويستخدم كل شيء أو لا يستخدم شيئاً في الوقت ذاته، فحرية التصرف الكاملة أمام الخيارات الفنية بتوظيفها في خدمة الفكرة التي تقوم بأدائها؛ إلا أن تقنية التحرير أو الـ releas هي الأكثر استخداماً من فناني الرقص؛ فأهم صفة في هذا النوع من الرقص أنه يحتوي على انسيابية وتلقائية بالغة في الحركة؛ فالرقص يتوق لتقديم لغة من خلال ذلك، فلغة الرقص تتطلب تطويع الجسد وإتقان الحركة والمعرفة العميقة بها، إتقان الآلة-الجسد؛ لا استعراض هذه الآلة؛ بل الفكرة التي تريد هذه الآلة-الجسد أن تقولها، من جهة أخرى الاستعراض في الرقص السياحي يشتت الانتباه عن المغزى الحقيقي لأشياء يمكن قولها على المسرح عبر الكلام، ولأن الرقص لغة عالمية، ففي البدء كانت الحركة ولا شيء آخر. لكن هناك من يقول: في البدء كانت الموسيقا، فإيقاع القلب هو أول صوت جاء نتيجة كائن حي، ولكن هذا الصوت أتى نتيجة الحركة على أكبر تقدير، وهناك دراسات علمية أكدت أن التأثير في المتلقي عبر الكلام لا يصل إلا إلى نحو 15% بينما تصل وضعية الجسد المتكلم (حركة الأيدي، اتجاه النظر، ...) إلى 70% على ما نريد أن نؤثر فيه، أما البقية فتختص بنبرة الصوت والطاقات التي تتفاعل أثناء ذلك، فالإنسان ككائن يلتقط هذه الإشارات غير المباشرة بشكل لا شعوري، ويفسره باللاوعي الغريزي الذي يؤثر في قراراته وتقبله للشخص الذي أمامه، وحُكمه على مصداقية ما يقوله. من أنواع الرقص أيضاً الرقص الفيزيائي؛ وهو قاسٍ جداً في التعامل مع الجسد، وبطريقة طرح الأفكار، وهذه القسوة تصل إلى درجة الوحشية الصاعقة، وبشكل سلبي أحياناً ومقصود، ففيزيائيو الرقص اليوم يشتغلون على مبدأ الصدمة السلبية؛ وهناك سادية في التعامل مع الجسد، لكنها سادية مدروسة، أما في المسرح الجسدي فنلاحظ الخلط بين عناصر الرقص المعاصر وعناصر العرض المسرحي التمثيلي، حيث تكون الفكرة هنا هي الأساس، ولها سياق درامي واضح، يحمل الكثير من الإشارات المباشرة وغير المباشرة، ويعطيك حالات تستطيع من خلالها كمتلقٍ أن تربطها بمشاعر شخصية وذاتية، وتترجمها بلغتك الخاصة، إن الرقص لا يعطيك مفردات جاهزة بل حالات وأفكاراً ومواقف؛ لكن الفكرة في الرقص أقرب إلى اللوحة التجريدية منها إلى الرسم الواقعي، كونها توفر حالة وشكلاً ؛ لكنها لا ترسم التفاصيل الصغيرة التي تتكون منها اللوحة، فيراها الجمهور كما تبدو له، هي فكرة وليست تساؤلاً محدداً، ونقطة الثقل هنا تكون غالباً على الموضوع الذي تعالجه وليس من خلال استعراض التقنيات الجسدية، كما هو الحال في العروض الراقصة البحت.
Posted on: Wed, 26 Jun 2013 08:12:59 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015