هجرة القبائل من ليبيا الى البلدان - TopicsExpress



          

هجرة القبائل من ليبيا الى البلدان المجاورة الجزء الاول د. فرج عبدالعزيز نجم فاتحة للموضوع القبائل و الجغرافيا والهجرة (ترسيم الحدود - عدم اهتمام الليبيين بالصيد البحري مع بعض الاستثناءات) الجزء الثاني 1- مسببات الهجرة إلى خارج ليبيا (مجاعة 67, 1771م - ومجاعة 1776م - طاعون صيف 1785م - الجزء الثالث 2- مسببات الهجرة إلى خارج ليبيا (حروب قبلية ساذجة الأسباب والمسببات - الحروب القبلية الطرابلسية - حرب برقة "عقل خريبيش" "تجريدة حبيب" احمد باي، ابن يوسف باشا القرمانلي، دعا اكثر من 45 من شيوخ قبيلة الجوازي الي قصر الحكومة بمنطقة الِبركة لتوزيع البرانيس الحمر عليهم هدية من الباشا نفسه . ومن بعد دخول هؤلاء المساكين صحن القصر أعطى الباي الإشارة لمماليكه وخصيانه وحراسه للإجهاز على الجوازي الجزء الرابع "برقة رباية الذايح" " هجرات اجتذبها الربح، وحملها على الاستقرار رواج الأسواق" - عرب مصراتة كونوا نواة مجتمع حضري فى برقة - علماء المنطقة الغربية و فضلهم الكبير في تعليم البرقاوية أمور دينهم ) الهجرة والسنوسية ( زوايا السنوسية فى مصر و جزيرة العرب و السودان و تشاد و تونس) الجزء الخامس سبب اقامة السيد الأمام محمد بن علي السنوسي في برقة كانت لها دلالة من حيث حاجة البادية الماسة إلى قيادة روحية الجزء السادس انتشرت السنوسية بين قبائل البدو كانتشار النار في الهشيم - اكثر من حكم ليبيا بعد الفتح الإسلامي هم ولاة من البربر كالصنهاجيين وبني خزرون والموحدين و الحفصيين والرستميين - ثم العثمانيون - القرمانليون - احمد باشا القرمانلي - الإحصائيات الشعبية ذهبت للقول بان عدد أبناء القبائل من ذوي الأصول الليبية الذين يعيشون خارج الجغرافيا الحالية المتعارف عليها بليبيا يساوي ان لم يفوق عدد من هم داخل ليبيا الجزء السابع 1- الهجرة الى مصر ( فكان حمد باشا الباسل (1871-1940م) من قبيلة الرماح وتعرف أحياناً بالبراغيث أحد مؤسسي حزب الوفد ومن رجالاته العظام تحت قيادة سعد زغلول - قصة "عمر المصري والطرابيش المغربية") الجزءالثامن 2- الهجرة الى مصر ( تعداد قبيلة أولاد علي يزيد عن المليوني نسمة - هُجرت قبيلة الجوازي على بكرة أبيها قسراً إلى مصر باستثناء عدد من العوائل التي ذهبت إلى الجزائر والمغرب - "تجريدة حبيب 1633م كما ذكر بازاما" - اولاد علي و جهادهم ضد الفرنسيين و مشاركتهم فى القضاء على المماليك فى القلعة الجزء التاسع 1- الهجرة الى تونس (كما إلى تونس ترجع أصول شاعر الوطن الليبي، احمد رفيق المهدوي) هنالك مناطق كاملة في المدن التونسية تسمي باسماء قبائل ليبية مثل ورفلة ، تبعد 5 كيلومترات شرق السلوقية، ترهونة، جنوب مدينة الفحص بعشر كيلومترات وجبانة المحاميد ووادي الطرابلسية الذي يمتد من سفح جبل بوقرنين في اتجاه حمام الأنف. وكذلك حومة الطرابلسية بالمنستير التي أنجبت اشهر شخصية تونسية الحبيب بورقيبة بالزي الليبي (من قبيلة الدرادفة من كراغلة مصراتة) الجزء العاشر 2- الهجرة الى تونس (جامع الزيتونة غص بالطلاب الليبيين كما كان الأزهر ورواق المغاربة الشهير به - اشهر ليبي زيتوني كان الشيخ سليمان باشا الباروني - من القبائل التي هاجرت إلى تونس كل من ترهونة وورفلة والرقيعات والزنتان والاصابعة وورشفانة والعلالقة والرياينة والبلاعزه والعلاونة والبركات، وبعض سعادي برقة كالعبيدات والعرفة. ومن المرابطين كالمزاوغة والعجيلات والمراغنة والفرجان وأولاد مسلم والزليطنية (وهم الفواتير وأولاد الشيخ والعمايم والبراهمة وأولاد غيث والكراغلة). الجزء الحادي عشر الهجرة الى تشاد (بدأت الهجرات بصورة جماعية بعد انتكاسة ثورة عبد الجليل سيف النصر التي انتهت بهزيمته وقتله سنة 1842م - أولاد سليمان وورفلة والمغاربة و الحساونة وبعض المرابطين مثل القذاذفة واستقروا قرب بحيرة تشاد - وقفة الشيخ الشهيد غيث عبد الجليل سيف النصر في وجه المد المسيحي الفرنسي - قبيلة الزوية و جهادها عن الكفرة والتزامها بالنهج السنوسي، خاتمة الجزء الأول فــاتحـة أقول وبعد حوارات تاريخية مع بعض كبار المؤرخين، ونصائحهم العملية، وأخص بالذكر البرفسور جيوفي والدكتور الدجاني والدكتور زيادة بأنه حري بنا أن نبدأ عجلة التتريخ لمن هم من أصول ليبية في المهجر - ولا نستطيع القول انهم لازالوا ليبيين - وخاصة أولئك الذين هجروا الوطن منذ مئات السنين. والغرض هو استخراج العبر والدروس ونستفيد من خبراتهم وتجاربهم ونسقطها على واقعنا. ونحن بدورنا في هذا السياق رأينا نفض الغبار عن ما هومغمور من تاريخ لأخوة لنا امتحنوا، فوجدوا في الهجرة مخرجاً لابتلاءاتهم ومشاكلهم في القرون الفائتة، ولكننا مازلنا نعيش إرهاصاتها. إن هذه الدراسة ما هي إلا محاولة متواضعة جداً لملمة نتف من المعلومات من أسماء وأماكن وتواريخ وأحداث مفصلية عن من هم من أصول ليبية في المهجر (مصر وتونس وتشاد) نقلاً عن دراسات ميدانية لأساتذة آخرين مع ما لمسته في زيارات خاصة لي في بعض هذه الدول العربية. ولا نستطيع القول بأننا قمشنا الموضوع من كل جوانبه، ولا نقول بأننا قمنا بالاستيفاء المنشود في بحث كهذا. ولكننا أردنا وضع إشارات عسى أن تكون باهرة وملفتة للنظر، وتسليط أضواء ساطعة على بعض ممن هُجر بسبب أو لآخر. ونحن نسعى في هذه السطور للتنويه إلى أماكن وساحات تواجدهم وثقلهم فيها. ويأتي هذا كله تتويجاً لما سبقنا به المختصون بدراسة حال وأحوال القبائل الليبية التي استقرت في المهجر أو عادت لأرض الوطن. ومن أبناء هذه القبائل أساتذة [2] اخذوا على عاتقهم مشقة تدوين تاريخ ما مر به الأجداد والأباء، ونحن نكن لهم فائق التقدير والاحترام، ونقر لهم بالفضل والمنة علينا خاصة أولئك الذين عاصروا وعرفوا بطريقة أوأخرى معاني الهجرة والعيش في المهجر، فأليهم جميعاً نهدي بحثنا هذا. القبائل والجغرافيا والهجرة الهجرة من اعظم الأحداث التاريخية في تاريخ البشرية، ولنا في هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العبرة الكبرى، لذلك اعتبرها أسلافنا بداية لتاريخنا. والهجرة قد تكون اختيارية يأتيها الإنسان لغاية في نفسه، وبكامل إرادته وحريته، وقد تكون اضطرارية للفرار من خطر محدق كما حدث للمسلمين الأوائل في مكة المكرمة. وربما يبعد الإنسان عن ارض الوطن، ولكن لا يبعد الوطن عن وجدان الإنسان أبدا. وفي تراثنا الإسلامي ان وطن المؤمن هوالجنة، التي اخرج منها أبواه عليهما السلام، وهذه الأوطان الدنيوية عبارة عن شجرة يستظل بها السابل، ومن ثم العودة للحياة في الوطن السرمدي [3] الموعود. يقول ابن القيم رحمه الله في قصيدته الميمية : فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيـها المخيم ولكننا سبي العدوفهل ترى نعـود إلى أوطـاننا ونسـلم وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهـومغرم وأي اغتراب فوق غربتها التي لها أضحت الأعداء فينا تحكم ومع هذا يقترن مفهوم الوطن بمعانٍ عدة، ويتبلور في أطر مختلفة منها: الدولة ذات السيادة الجغرافية تارة، والذكريات والحنين للوطن في ديار الهجرة تارة أخرى. فمفهوم القبيلة للوطن في ليبيا اقتصر على الأرض التي تملكها [4] ، وفيها مضارب خيامها، ومراعي دوابها. وبتعدد القبائل وتكتلها، والتحام "أوطانها" جنباً إلى جنب خرج علينا هذا الوطن الذي نسميه اليوم ليبيا. علماً بان اسم ليبيا كان يطلق على قارة أفريقيا كلها باستثناء جنبات وادي النيل بمصر. كما كانت الأقوام القاطنة في هذه الرقعة ما بين مصر والمغرب الأقصى تسمى بالليبيين، الذين تميزهم بشرتهم البيضاء عن باقي سكان أفريقيا.[5] فمرت هذه الرقعة الترابية "ليبيا اليوم" بعدة أسماء ومسميات، وتمددات وأنكمشات جغرافية عبر الأزمنة. فتاريخ ليبيا يرجعه البعض إلى اكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، كما عُرف بعدة أسماء منها لوبيا [6] وبلاد البربر وطرابلس الغرب وأخيراً ليبيا كما هي معروفة الآن. [[7 وحدود ليبيا القطرية التي نعرفها اليوم ابتليت بكثير من المد والجزر مع دول الجوار فكانت طرابلس تنكمش إلى ما هي عليه الآن ومن ثم تمتد مرة أخرى لتصل بحدودها إلى قابس وجربة في تونس. [8] بينما برقة بعد انكماش قد وصلت في زمن من الأزمنة إلى مريوط الحمام غرب الإسكندرية [9] … وهكذا. كما تفصل طرابلس عن برقة ما يزيد عن خمسمائة كيلومتر (ثلاثمائة ميل) من الخلاء الصحراوي في حوض سرت الذي تعانق فيه رمال الصحراء مياه البحر الأبيض المتوسط. وتعتبر صحراء سرت من أعظم الحواجز الطبيعية في العالم. حتى قيل إن الرحلة من طرابلس إلى تونس أيسر وأقرب منها إلى برقة، ونفس الشيء مع برقة بالنسبة لطرابلس. [10] في حين شكلت الحمادة الحمراء والصحراء حول مرتفعات الهروج [11] مساحات فاصلة لفزان عن طرابلس وبرقة، وكل الساحل.[12] ويبقى القول إن الوطن يستحق كل تضحية، وحبه من أهم دواعي الاستقرار والسلام، ولكن انعدام الأمن وشح الموارد، واختلال موازين العدل فيه مبررات كافية وقوية للاغتراب والهجرة كما امرنا الله تعالى.[13] ولذلك كانت الهجرة ميسرة لمن أرادها، فلم تكن الحدود بين العرب والمسلمين مرسومة بالشكل الذي نعرفه الآن، لاسيما القبلية منها. فعلى سبيل المثال ما يعرف بمنطقة الطوارق الآن قسمت بين دول رئيسية عدة هي: ليبيا والجزائر ومالي والنيجر ونيجيريا. فاصبح الطوارق مقسمين بين عرب الشمال وأفارقة الجنوب، بينما هم من سكان المنطقة الأصليين الأمازيغ. وظلت الحدود بين ليبيا وجاراتها متداخلة وغير مرسومة حتى الآونة الأخيرة، واعني هنا الخلاف حول شريط اوزوالذي فصلت فيه محكمة العدل الدولية في 13 إبريل 1994م، وبه فازت تشاد ورضت ليبيا بالحكم، ورسمت الحدود بصورة نهائية بين البلدين. ولكن هناك من الحدود ما رسمته الدول الاستعمارية كمفاوضات الإنجليز والطليان لرسم الحدود الليبية المصرية عام 1935م، سبقتها التسوية مع السودان حول مثلث سارة عام 1934م. واتفاقية 1956م بين المملكة الليبية والسلطات الفرنسية حول الحدود الجزائرية الليبية. [14] ولكن سبقهم بذلك حكام المنطقة من المسلمين أنفسهم حيث اتفقت حكومة يوسف باشا القرمانلي وحمودة باشا، باي تونس (1781-1813م)، الذي بموجبه أكدا على الأخوة وحسن الجوار، واتفق الطرفان على ترسيم خط الحدود الفاصل بين الايالتين بمرسوم أصدره التوانسة سنة 1806م، وهذا التاريخ يعتبر من التواريخ الأولى في ترسيم الحدود الليبية الحالية. [15] كما ان هذا التاريخ الأخير يؤكد على ان قضية التقسيم سبقت الاستعمار الأوروبي بكثير وخاصة الفرنسي الذي سبق الجميع في احتلاله الكامل للجزائر سنة 1830م. الرقعة الجغرافية التي تتكون منها ليبيا كبيرة جداً مقارنة بكثافتها البشرية، فمعظمها صحراء جافة (90%) باستثناء بعض الجيوب الزراعية المتمثلة في الواحات والحطايا. [16] أما الشريط الساحلي فيسكنه الحضر في مدن رئيسية مثل طرابلس وبنغازي ودرنة وزوارة وغيرها من الجيوب الساحلية. وبالرغم ان ليبيا لديها من الساحل ما لا تملكه غيرها من دول شمال أفريقيا إذ يبلغ طوله حوالي 1900كم، فان معظم الليبيين يعيشون بعيداً عن البحر ويموتون أحياناً من الجوع نتيجة الجدب والقحط ولا يعرفون كيف يأكلون من البحر، حتى كادت أطباق الأطعمة الليبية تخلومن الأسماك ومشتقاتها باستثناء بعض المدن الساحلية كطرابلس وبنغازي ودرنة وزوارة. بل هنالك من البدووسكان الجنوب الذين لم يذوقوا طعم الأسماك في حياتهم. وهذه لها علاقة بالعقلية البدوية التي تميل إلى الصحراء اكثر من غيرها.[17] ويستشهد الأستاذ عبد السلام قادربوه بدراسة له عن عالم المأثورات الشعبية بقرية شط لبدين الواقعة جنوب غرب مدينة بنغازي فيقول: "منطقة شط البدين … والتي لا يستطيع المرء أن يجد فيها صياداً محترفاً إلا بصعوبة مع أنها تحمل اسماً متصلاً بالبحر وهو(الشط) … ومع وجود المنطقة بالفعل على امتداد شاطئ طويل يمكن ان يدر خيرات كثيرة … ماذا نجد في هذه المنطقة عوضاً عن ذلك ؟ … إنا نجد تجمعات بشرية يتركز اهتمامها بالزراعة … وتنال الزراعة الموسمية المعتمدة على مياه الأمطار كالقمح والشعير .. النصيب الأوفر، كما نجد من السكان اهتماماً بالرعي يأتي في المرتبة الثانية بعد الزراعة، وقد يثير الدهشة أن يشاهد المرء في فصل الصيف؛ بيتاً بدوياً على شاطئ البحر في مثل هذه المناطق، ولكن ساكنيه لا تربطهم بالبحر أية صلة.".[18] واذا ما تمعن المرء في تشخيص البنية المعمارية للمدن والقرى الليبية يرى أنها تنساب بصورة عفوية إلى القبلة (أي الجنوب والجنوب الشرقي) صوب الصحراء حتى يومنا هذا. فمثلاً مدينة مصراتة كانت مفصولة عن منطقة قصر حمد التي تعتبر النافذة البحرية لها على البحر الأبيض المتوسط. واذا ما تمعنت في الامتداد السكني لمدينة بنغازي تلاحظ أنها امتدت جهة القبلة باتجاه منطقة بوعطنى وما على طرفيها. والجغرافيا الليبية ومناخها فرضتا حدوداً طبيعية بين أقاليمها الثلاث (طرابلس وبرقة وفزان)، كما ان هذه الأقاليم تمتعت نسبياً بتجارب تاريخية اختلفت بعضها عن بعض مما وسع الهوة بينها حتى وصول القرمانليين الذين رسخوا مفهوم الدولة القطرية بالنار والحديد. [19] فطرابلس كانت دائماً علاقتها بتونس وخاصة جنوبها أقوى منها ببرقة وفزان. وبرقة ارتبطت تاريخياً واجتماعياً واقتصادياً بمصر وسكان الصحراء الغربية تحديداً اكثر منها بطرابلس وفزان. والأخيرة ارتبطت دائماً بالسودان حتى كادت البشرة السمراء والسحنة الأفريقية تغلب على بعض مناطق الجنوب. [20] وهذا كان جلياً في الهجمة الإيطالية الاستعمارية على ليبيا حيث اتجهت القبائل للمناطق التي تعرفها افضل وترتاح إليها. فاتجه الطرابلسية إلى تونس بينما البرقاوية إلى مصر والفزازنة إلى تشاد. والدولة القطرية التي نشأت في القرنين الماضيين مزقت وقطعت أوصال القبائل التي لم تعرف تاريخياً حدوداً لها، وخاصة الرحل منها كقبائل النوايل وأولاد علي العربية، والطوارق والتبوالبربرية. وهذا التمزيق لم يقتصر على ليبيا وجاراتها فقط بل شمل المملكة العربية السعودية على سبيل المثال وجاراتها من اليمن وبقية دويلات الخليج والعراق وسوريا والأردن وفلسطين. [21] وفي حقيقة الأمر هذا التمزيق سمة عالمية اكثر من كونها إقليمية، واذا ما درست أوروبا وجغرافيتها تجد ان تعقيداتها تكاد تفوت ما نشكومنه. بينما نحن في المغرب الكبير نتمتع بوحدة اللسان والدين والمذهب والتاريخ والمصير، تجد الأوربيين الذين يشكون من تعدد اللسان والعقيدة وغيره مما ذكرناه، قد تعلموا كيفية التعايش والتعامل مع هذه الفوارق. ولعل نموذج الاتحاد الأوروبي هوأحد تلك الحلول المقترحة لهذه المعضلات الإنسانية. [email protected] [1] نشر هذا البحث على صفحات القدس العربي - لندن - على مدى اربعة أيام من 18 الى 21 كتوبر 2003م. كما نشرته مجلة Libyan Studies باللغة الانجليزية الصادرة عن الجمعية البريطانية للدراسات الليبية في عددها 34 لسنة 2003م بلندن. [2] د. ابراهيم احمد أبو القاسم ود. سعيد عبد الحمن الحنديري وأ. خيرالله فضل عطيوة وأ. محمود عبيدة شاهين الفردي وغيرهم من أهل التخصص والفضل. [3] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه فقلنا : يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فقال: "ما لي وما للدنيا ؛ ما أنا في الدنيا إلا كراكب أستظل تحت شجرة ثم راح وتركها". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. سنن الترمذي 4/588/2377. سنن الترمذي ، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، تحقيق الشيخ أحمد شاكر وآخرون ، دار التراث العربي ، بيروت. [4] بازامه تاريخ برقة في العهد القرمانلي صـ 333. [5] بازامه – ليبيا: هذا الاسم في جذوره التاريخية صـ 31-32، 89-90. The new Oxford illustrated Dictionary (1976), تخت مادة Libya p 973. [6] بعيو – المجمل في تاريخ لوبيا صـ 1-9. راجع نفس المصدر – هامش صـ 1-2. [7] البرغوثي – تاريخ ليبيا من الفتح الإسلامي حتى بداية العصر العثماني صـ 13. بازامه – ليبيا: هذا الاسم في جذوره التاريخية صـ 95-96. [8] بازامه – سكان ليبيا في التاريخ عصور ما قبل الإسلام صـ 173. [9] بازامه – تاريخ برقة في العهد العثماني الأول صـ 36-37. البرغوثي – تاريخ ليبيا من الفتح الإسلامي حتى بداية العصر العثماني صـ 90-91. [10] البرغوثي – تاريخ ليبيا من الفتح الإسلامي حتى بداية العصر العثماني صـ 15. [11] تقع في الجنوب الغربي من زلة وهي عبارة عن هضاب سوداء القمم، وبقايا صخور صحراوية وعرة استخدمها المجاهدين وخاصة من دور المغاربة كما ملاذ منيع. [12] شرف الدين مدخل إلى تاريخ طرابلس الاجتماعي والاقتصادي (1711-1835م) صـ 239. [13] الميلاني – وطن والمواطنة والوطنية مجلة المعهد عدد الثالث، 2001م صـ 28. [14] حمدان – الجمهورية العربية الليبية (دراسة في الجغرافيا السياسية) صـ 81-90. [15] جحيدر – آفاق ووثائق في تاريخ ليبيا الحديث (هامش) صـ 179. [16] الحطايا (الحطية) هي عبارة عن مناطق منخفضة في الصحراء فيها الماء قريب من السطح تنمو فيها نباتات خشنة تعد طعام للإبل مثل مناطق الصحابي والخفاجي وتاقرفت. [17] قادربوه – مقاعد أصحاب الصوب: رحلة في عالم الماثورات الشعبية صـ 28-29. [18] قادربوه – نفس المصدر صـ 28. [19] شرف الدين مدخل إلى تاريخ طرابلس الاجتماعي والاقتصادي (1711-1835م) صـ 239. [20] شرف الدين – مدخل إلى تاريخ طرابلس الاجتماعي والاقتصادي (1711-1835م) صـ 242. [21] الزوي – البادية الليبية صـ 278. الجزء الثاني 1- مسببات الهجرة إلى خارج ليبيا كانت دول الجوار – ومازالت - كمصر وتونس وتشاد والجزائر ومالطا بل حتى تركيا امتداداً لليبيا في التجارة وصلة القرابة بين قبائلها وعائلاتها وكذلك ملجأً في النائبات. ولكن لعبت كل من مصر وتونس وتشاد دوراً متميزاً على وجه الخصوص في العلاقات الليبية الداخلية، سواء بين القبائل، أو القبائل والحكومة من جهة، والخارج من جهة أخرى. فكن يجرن كل من يلجأ إليهن من حكام ومحكومين كلما اشتدت الضوائق. وأبرزها لجوء علي باشا القرمانلي الأول، والي طرابلس، وأسرته إلى تونس بعدما استولى علي برغل، المعروف بالجزائري،[1] على طرابلس منهم عام 1793م. فاستنجد الباشا القرمانلي بحكام تونس، فهب جيشهم للنجدة، وسرعان ما رُد للقرمانليين ملكهم في طرابلس بعدما طُرد المغامر برغل إلى غير رجعة عام 1795م. كما احتمى احمد أخو يوسف باشا القرمانلي بمحمد الألفي بك في مصر اثر خلاف بينه وبين أخيه، وبقى هناك حتى توفي في مصر عام 1811م. حتى ان ابن يوسف باشا، عثمان، عندما أحس بالخطر في ليبيا فر إلى مصر ووجد هناك الملجأ الآمن حتى وفاته في الإسكندرية. ويقول أستاذنا الكبير بازامه بان النائب استفرد في منهله دون غيره عندما روى ان يوسف باشا القرمانلي، في أخر أيامه وعندما تفاقم أمر الثوار ضد حكمه وحصارهم المحكم لطرابلس، وكذلك رفضهم القاطع للخضوع له اضطر للنزول عند رغباتهم والتنازل لابنه علي ليخلفه في الولاية. ثم طلب يوسف باشا النجدة من حكام تونس، ولكن تونس رأت من الحكمة ان لا تتدخل في ما يشبه الحرب الأهلية، نظراً لتعقيداتها وتورط القبائل في تلك الثورة وتأجيج نارها. وبالفعل تنازل يوسف باشا لابنه ونصبه والياً لطرابلس في 12 أغسطس 1832م. كون المجتمع الليبي قبلي محض وتغلب عليه الصبغة القبلية بما لها وعليها، فانه عبر التاريخ أوجد ممثلين له في دول الجوار يستنفرهم ويستنجدهم اذا ما احتاج إليهم أو يلجا إليهم اذا ما تطلب الأمر. ولعل من مسببات الهجرة الرئيسية تلك السياسات الهوجاء سواء من الحكومة أو نتيجة جور العصبيات القبلية بعضها على بعض. ولذلك كثرت الفتن والغارات وعمت الفوضى بالثارات مما دفع بالمجتمع البدوي إلى حافة الهلاك، ومع مرور الزمن وتكرر الهجرات وجد كثير من هذه القبائل ملاجئ وتجمعات قبلية لها في دول الجوار خرجت قبلها من ليبيا وتركت وراءها بعضاً منها، حتى اصبح من المستحيل ان تجد أحداً من ذوي الأصول الليبية في دول الجوار ليس له علاقة دم أو وشائج قربى في داخلها. وخير دليل على ذلك بعض أولاد سليمان بتشاد والقبائل الطرابلسية التي يستحيل علينا حصرها في تونس، وأولاد علي والجوازي والفوايد بل بيت خضرة من قبيلة البراعصة الذين ظلوا يتطلعون للعودة إلى ارض الوطن. وبالفعل منهم من رجع عبر العقود الفائتة التي تلت الاستقلال في منتصف القرن المنصرم ونعتوا بـ "العائدون" و"الصاد شين" (اختصاراً لعبارة الصحراء الشرقية وكناية لقبائلها) وغيرها من النعوت التي لا تليق بتاريخ هؤلاء الرجال، ومنهم من ينتظر، وكثير منهم وخاصة الأجيال الجديدة اكتفت بكون أصولها ليبية ولا تفكر بعد بالعودة. ولعل أكبر أسباب الهجرة وخاصة في العهد القرمانلي ما مرت به ليبيا من نكبات طبيعية غلب عليها طابع القحط والجدب والجفاف والأوبئة الفتاكة وما ترتب على ذلك من هلاك للبلاد وفناء للعباد. ابتليت البلد بأربع أزمات قاسية، وخاصة في المنطقة الغربية، حيث أصيب إقليم طرابلس بالقحط الذي أدى إلى مجاعة بدأت 1767م واستمرت حتى عام 1771م فهاجر اكثر من أربعين ألفاً من أهالي المنطقة إلى تونس ومصر. ومجاعة أخرى عام 1776م التي كادت ان تفني البلاد من سكانها. ومن ثم مرت بالبلاد موجات من المجاعة والقحط والأمراض اكتسحت ولاية طرابلس وأعقبها طاعون قاتل خلال في صيف عام 1785م. ولعل في وصف الآنسة توللي، أخت القنصل الإنجليزي - ريتشارد توللي - في طرابلس ، في كتابها "عشر سنوات في بلاط طرابلس" صورة عاكسة لضحايا هذه الأوبئة الفتاكة تفسيراً للهجرة التي كانت هروباً من الموت القادم لا محال، فتقول: "بكاء الناس ونحيبهم في المدينة يمزق القلوب… وعند كل يوم يتم إخراج جثث الموتى لتجميعها. والرعب الذي تبعثه المواكب الجنائزية في القلوب تتزايد كل يوم. أما النسوة الطرابلسيات اللاتي كان المرء يراهن من قبل محجبات على الدوام، فقد اصبحن الآن صورة حية لليأس والقنوط وهن يهمن على وجوههن في الشوارع بشعور متناثرة ووجوه مكشوفة خلف نعُش ممن رزئن فيهم من أفراد أسرهن. ومنذ بدأ تفشي هذا الوباء اللعين توفي في هذه المدينة ثلاثة آلاف شخص، أي ما يعادل ربع سكانها تقريباً؛ وما يزال عدد الضحايا يزداد كل يوم". وكان كل ذلك على مرأى ومسمع من الحكام القرمانليين العاجزين عن المساعفة، والغارقين في ملذاتهم. كما أصيبت البلاد بالجفاف عام 1792م. وصلت حالة البلاد من اليأس والبؤس لدرجة انهم أكلوا المحرمات وكل مكروه، وطحنوا نوى التمر التي عادة تقتاتها بهائمهم، وأكلوه. وكان لهذه النكبات والكوارث الطبيعية أحياناً - وما صنعه الإنسان في بعض الأحيان - انعكاسات وخيمة سواء اجتماعية، حيث زعزعت المجتمع القبلي برمته وأدت إلى انقلاع أجزاء منه عن أرضه، أو اقتصادية، مما أزم الوضع السياسي في البلد. فتناقص عدد سكان البلد بصورة رهيبة سواء بالموت أو الهجرة فتردى الوضع الاقتصادي بتناقص المحاصيل الموسمية والمواشي التي كانت تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني وبالتالي تقلص مقدار الجباية مما ترتب عليه تقلص مداخيل الدولة من الضرائب، فاضعف ذلك البلد بصورة عامة والحكومة بصورة خاصة. ولهذه الأسباب الاقتصادية هاجر كثير من قبائل الفرجان والقذاذفة والطبول والعبيدات إلى مصر بحثاً عن الحياة الكريمة. [1] هو من أصل قوقازي من جورجيا جاء إلى الجزائر و عاش فيها ردحاً من الزمن حتى عرف بالجزائري. أما كنية البرغل فقيل انه كان يطعم جنده المرتزقة بالبرغل. الجزء الثالث 2- مسببات الهجرة إلى خارج ليبيا أما الكوارث التي أنزلها الإنسان بأخيه الإنسان في ليبيا فكانت الحروب القبلية وما جرته من ويلات. ولعل ليبيا فقدت فيها من الرجال ما لم تفقده جراء القحط والأوبئة. ويقول الأستاذ بازامه عن هذه الحروب القبلية: "جاءت هذه في كتب التاريخ الحديثة على أنها حروب قبلية ساذجة الأسباب والمسببات، بينما هي في الواقع فتن سياسية لعب الدور الرئيسي فيها حكام البلد من الأتراك والقرمانليين الذين لم يكن يضيرهم أن يذهب الشعب ضحية لها ماداموا هم سيجنون ثمارها من مغانم وسلطان، ولن تتقزز نفوسهم من المكاسب التي يحققونها على حساب تلك الأشلاء المضرجة بدمائها". ومن اشهر تلك الحروب القبلية الطرابلسية التي أهلكت الحرث والنسل احتراب قبيلتي فرجان (الداوون)[1] وأولاد سليمان التي أدت إلى خراب البلاد، وكان من نتائجها الوخيمة تهجير قسم كبير من الفرجان إلى تونس في نهاية القرن الثامن عشر (تقريباً 1767م). كذلك الاضطرابات الواسعة في جهة الزاوية التي حصدت أرواح المئات من قبائل ورشفانة والنوايل عام 1781م. فلقد أغارت عصابة من مائتي فارس من ورشفانة على نجع من نجوع النوايل ونهبوا عشراً من خيامه، كما كانت العادة بين العربان من غزو للسلب والنهب. فما كان من النوايل إلا أن حشدوا أربعمائة فارس وعدداً مماثلاً من التراسة[2] للثأر. وبالفعل هجمت النوايل على ورشفانة قرب جنزور مما استلزم من المحاميد النزول إلى ساحة القتال لنجدة حلفائهم الورشفانيين فزاد ذلك الطين بللاً، وقتل المئات من الجانبين، وازدادت الهوة والضغائن بين القبائل. أما برقة فرأت من المآسي والتهجير الكثير ما طال قبائلها، ولعل ما جرى لقبيلة أولاد علي مازال ماثلاً أمامنا. فقد كانت قبيلة أولاد علي تقطن أجزاء من الجبل الأخضر، وخاصة حول مدينة درنه، وهضبة البطنان[3] ومن ثم دفعتها بقوة السلاح قبائل الحرابي بقيادة قبيلة العبيدات إلى شرق عقبة السلوم وبمساعدة السلطات العثمانية في طرابلس التي كانت تتحسس من علاقة أولاد علي بالمماليك في مصر، وكذلك قوة نفوذها في برقة مما تطلب من الولاة الأتراك في طرابلس أن يضعوا حداً لذلك. فجاء الرد فيما عرف بـ "تجريدة حبيب"، حيث جردت الحكومة عربان ولاية طرابلس من مناطق تاجوراء وزليطن ومصراتة وورفلة لنصرة حبيب العبيدي الذي أراد ان ينتقم لوالده، الشيخ عبد المولى الأبح، الذي قتله رجال أولاد علي غيلة. وانطلقت الحملة العسكرية وتم بالفعل إبعاد أولاد علي عن برقة بعد كر وفر مريرين. وبعد ما وضعت الحرب أوزارها وعاد السلم، اختلط دماء عرب الشرق بالغرب في الجبل الأخضر، وامتزجت فيها الأنساب[4]، وبذلك تم نسج مجتمع فريد جعل من مدينة درنة فيسيفساء لا يستطيع الإنسان وصف جمالها، حتى أن الأديب المؤرخ علي مصطفى المصراتي قال عنها: "درنة ذات الوجه الحضاري والنضال جديرة بالدراسة والاهتمام ولا توجد صناعة الركاب وصناعة السروج إلا حيث الخيالة والفرسان…". ومازالت التجريدة تعيش في أدبنا الشعبي ليومنا هذا حيث تحكي لنا مأساة قبائل غُرر بهم، فأقصوا بعدما وقعوا في براثن سياسات مبنية على أطماع الهيمنة. وبعد اندحار قبيلة أولاد علي، ولم يكن ذلك سهلاً لولا اجتماع قبائل الحرابي والغرب و الحكومة لإنجاز ذلك، اتجه أولاد علي شرقاً نحو النيل، ودفعوا من كان في طريقهم إلى ما وراء النيل وإلى الصعيد، وعمَروا المنطقة الواقعة ما بين العامرية (غرب الإسكندرية) والسلوم. ولكن أخر عملية تهجير رأتها البلد ومازالت ماثلة للعيان هي تلك النكبة التي أصابت قبيلة الجوازي عام 1817م على يد قوات يوسف باشا متحالفاً مع اخوة الجوازي من العلايا (العواقير والمغاربة) وحلفائهم. فكانت المحصلة كانت طرد الجوازي نتيجة حروب كارثية قادتها ضد اخوتها العلايا عامي 1811 و1812م وضيقت فيها الخناق عليهم لدرجة انهم أكلوا طحالب البحر في حصارهم لهم في ملاذ الولي الصالح سيدي خريبيش، ويعرف ذلك الحصار الذي دام خمسة اشهر في الروايات الشفوية باسم "عقل خريبيش"[5]. ولنختصر أحداث القصة التي روى تفاصيلها المروعة الدكتور الإيطالي باولو ديلا تشلا الذي رافق الحملة كطبيب خاص لأحمد باي القرمانلي.[6] فلقد رأى الحكام القرمانليون ان قبيلة الجوازي أصبحت عبئاً على الدولة وحان وقت التخلص من بأسهم الشديد حتى تذعن لسلطان الدولة في برقة. فدعا احمد باي، ابن يوسف باشا القرمانلي، شيوخ قبيلة الجوازي الذين بلغ عددهم اكثر من خمسة وأربعون شيخاً في قصر الحكومة بمنطقة الِبركة لتوزيع البرانيس الحمر عليهم هدية من الباشا نفسه وتقديراً لولائهم له. ومن بعد دخول هؤلاء المساكين صحن القصر أعطى الباي الإشارة لمماليكه وخصيانه وحراسه للإجهاز على الجوازي. وبالفعل قتل جميع من دخل القصر ومن ثم انطلق جنود الحكومة مدعومين من القبائل التي كانت تخاصم الجوازي، وأعملوا سلاحهم في خيام الجوازي الذين كانوا في غفلة من أمرهم، فقتل من قتل من الرجال والنساء والأطفال، وهرب من هرب إلى مصر، وكان ذلك في شهر رمضان من عام 1817م. بهجرة الجوازي انقلبت معايير القوة في برقة البيضاء وأصبحت قبائل العلايا أسياداً للمنطقة بعدما كانوا أتباعاً لإخوتهم الجوازي الذين استبدوا بهم، حتى أن امرأة من قبيلة الجوازي عايرت العواقير فقالت "ما نا عواقير علي خريبيش نعقلوا". ومن ثم والت قبيلة العواقير وحلفاؤهم المصراتية (سكان المدينة) الحكومة العثمانية عكس قبيلة الجوازي وبذلك ضمنوا لأنفسهم الريادة والسيادة في المنطقة. هذا وقد هجا الصباغ، أحد رجازي وفرسان الجوازي، الأتراك (القرمانليين) وحلفائهم من العواقير وما اقترفته أياديهم، وحذرهم بأنهم سوف يرجعون يوماً ما إلى مواطنهم في برقة - فقال: نوادعوك يا برقة اليوم جـلينا لكن انجوك انجـوك باذن الله [ [7 ولا تنتسي من البال يا الحنونه ولا ينتسى هلي اغرق في دماه ولا سلوق ننسوها ولاجردينة شهيرة بالشيخ بو مرعي اسماه …… ولا ينتسى هلي أسباب جلانا الحاكم التركي والعقوري معاه …… ولا ينتسى حتى نـهار الذيبه فيه ألف فارس فارقـوا الحياة …… الجوازي انهدو على العدو ما يردوا يوم حوسة الذيبة نهار فناه والعواقير جسر ما هناك تبصر ابراهيم وسديدي أصحاب عناه ركابة على القصـيرات قيونه صيتهم يشرف سمـح يا محلاه العواقير هدن على العدو ما يردن دياره على إلى طاح في الميدان عواقير جرح راكبات القرح كما صقور سرح طالبات عشاء جبارنة تنادوا في بعضهم راغوا في نقر برقة ما هنـاك وقـاه وكاثر الطايح والسبيب ذوايح نهاراً شين دخانه ارقي السماء …… ونحن هلك يا برقة عطينا حقك كمين فارس ينهاب قشعرناه وتوه جلينا والفروض قضينا وحقك عطينا بالوفاء درناه ووين ما انردوا ما لحد نجدوا لنا ملك في برقة شـهير نباه [1] الداوون من املاك ترهونة تقع بينها وبين مسلاته بها آبار عذبة ويقطنها الفرجان خاصة. وتعد قبيلة الفرجان من اكبر قبائل المرابطين حجماً ونفوذاً. ويتوزع الفرجان في شمال أفريقيا، فلهم تمثيل كبير في تونس ومصر بالإضافة إلى ليبيا. وإلى جانب الداوون لهم تجمع كبير في منطقة سرت وكذلك في برقة التي يعرفون فيها بفرجان أولاد عائشة، ويعتبرون أهل البركة مما جعلهم محل تقدير و احترام أينما نزلوا، حتى قيل فيهم "أصحاب سمت حسن و أخلاق أزهى من اللؤلؤ و المرجان". راجع جحيدر – آفاق و وثائق في تاريخ ليبيا الحديث صـ 90. [2] التراسة أو التريس ومفردها تراس وتعني الرجل الذي يعد نفسه للقتال مشياً على الأرجل وعن طيب خاطر متترساً بسلاحه وشجاعته التي تفوق الفارس على جواده كما هو معروف عند البدو. وتستخدم كلمة تراس في اللهجة الليبية للتعبير عن شهامة الرجل وأقدامه. [3] تقطن البطنان قبائل مرابطة، ويتحالف المرابطين مع قبيلة العبيدات ومهم قبيلة المنفة و القطعان والجرار والحبون. [4] نجم – مجلة جيل ورسالة (في رحاب تجريدة حبيب) العدد 2، سبتمبر 1996. وللمزيد انضر العدد 3، مايو 1997، والعدد 4، إبريل 1998، والعدد 5، ديسمبر 1999م. وللمزيد عن "تجريدة حبيب" يمكنكم زيارة مجلة جيل ورسالة الإلكترونية في هذا الرابط على موقع جيل ورسالة: libyajeel/jeel_magazine/p...ers_pages.html [5] بازامه – بنغازي عبر التاريخ صـ 269، 325. (عقل من عقال، اسم للموضع الذي تعقل فيه الناقة، كناية عن حصارهم بتلك المنطقة التي بها ضريخ الولي الصالح سيدي خريبيش). [6] توجد تفاصيل هذه القصة في المرجع الأول التي ترجمت فيه هذه الرسالة إلى الإنجليزية وهو: Cella, Narrative of an expedition from Tripoli in Barbary to the western frontier of Egyptian 1817, by the Bey of Tripoli, in letters to Dr. Viviani of Genoa, tr. by A. Aufrere, pp 219-228. [7] وفي هذا البيت وأخر أبيات يظهر التأكيد على الرجعة يوماً ما إلى برقة بتكرير الشاعر كلمة "انجوك". وهذا الموقف والمرارة عبر عنها الأستاذ محمد عبد الرازق مناع الجازوي بأسلوب توثيقي في كتاباته لاسيما كتاب "الأنساب العربية" الذي آثار زوبعة ودوياً بين القبائل في برقة لما يحمله من نبش للماضي ومخاطر للمستقبل كما اخبرني بعض زملائه من المعلقين. الجزء الرابع (د. فرج عبدالعزيز نجم) هذا وبالرغم من الفواصل الطبيعية إلا أن القبائل استطاعت أن توحد المنطقة حينما خذلتهم الجغرافيا والسياسة. فتزعم القبائل الليبية ان لها أصولاً واحدة سواء كانت بربرية أو عربية. كما كانت تربط هذه القبائل تحالفات بالرغم من تمزقها وتشرذمها. فتجد قبيلة أولاد سليمان في قبائل الجبارنة الندية والنصرة اذا ما تطلب الأمر. وكلما ابتليت ولاية طرابلس بظروف طبيعية قاسية كالجدب والأوبئة أو تفشي البطالة يجد أهلها الفرج في برقة حتى قالوا فيها "برقة رباية الذايح".[1] ومن أوائل الذين استوطنوا مدينة بنغازي مع الآخرين كالأندلسيين واليهود، أفراداً وعائلات في مطلع القرن السادس عشر ميلادي، تجار من تاجوراء ومسلاته وزليطن وعرفوا مجازاً بالطواهر. ويصف أستاذنا بازامه هذه الهجرات الأولى على أنها اقتصادية محضة، فيقول: "اجتذبها الربح، وحملها على الاستقرار رواج الأسواق" ولكن جاء عرب مصراتة ليزاحموهم حتى فرضوا سيطرتهم على المدينة، ثم طردوهم خارجها ليستقر بهم المقام في درنة بصورة نهائية. وعندما احتدمت بعض هذه الظروف، وخاصة بعد الحملة العسكرية التي قادها الوالي دارغوت باشا على تاورغاء ومصراتة سنة 1555م، وجد أهل مصراتة على وجه الخصوص الملجأ في برقة حيث كونوا نواة مجتمع حضري فيها، التي كانت حينها بادية يقطنها العرب البدو، ولم يُعرف فيها الاستقرار وحياة الحضر إلا في مدينتي بنغازي ودرنه. فنجح المصراتية في التجارة - كما هو حالهم أينما حلوا ونزلوا – وبذلك احتكروها، وهذا در عليهم من الخيرات مالاً وأملاكاً ما فاض وزاد لينعش الحياة الاقتصادية في الأماكن التي استقروا وتاجروا فيها. ولذلك يرجع الفضل إليهم في ترميم البنية التحتية لبنغازي وتقوية عمادها الاقتصادي وتنميته. وتسمت أحياء وشوارع في بنغازي بأسمائهم كالصابري[2] ومصراتة وقصر حمد وغيرها. وحدث نفس الشيء في طرابلس في النواحي الأربعة، فهنالك ناحية لقبائل الرقيعات والعلاونة وغيرهم، وكذلك ما حدث مع سكان جبل نفوسة من العرب عندما كانوا ينزلون إلى طرابلس، فأسسوا منطقة خاصة بهم في الجزء الجنوبي منها باتجاه غريان، عرفت بحومة غريان يسكنها أبناء غريان ويرتادها من أتى من غريان، حتى أن يهود غريان كانت لهم فيها حارة صغيرة متصلة بالحارة الكبيرة الواقعة في قلب المدينة القديمة داخل الأسوار. وكما كان لعلماء الغرب الفضل الكبير في تعليم البرقاوية أمور دينهم وتولي مهام التعليم والوظائف الإدارية إلى جانب القضاء. وبذلك استطاع هؤلاء المهاجرون من الغرب إلى الشرق الربط بين الإقليمين ربطاً عضوياً ومعنوياً لدرجة استحالة الفصل بينهما نتيجة التزاوج والتصاهر والتكاتب بين سكانهما. وقبائل بادية برقة اعترفوا وقدروا لهم ذلك، بل في بنغازي استبدل البدو تسمية هؤلاء المهاجرين من "عرب الغرب" أو "مصراتة" بالحضور لتشمل من هم ليسوا من أصول مصراتية، وفي درنة سموا "درناوية". وهاتان التسميتان تحملان دلالة صريحة على أنهم اصبحوا جزء لا يتجزأ من التركيبة المحلية، بينما بقى البدو يعرفون كما كانوا بالبدو إلا من تحضر منهم ودخل المدينة فتخلع عليه تسمية الدرناوية لتحضره. وهذه الصفات المحلية خلعت على المرابطين من أولاد الشيخ الفواتير، فمثلاً ذرية الشيخ عبد السلام الغريب، من أحفاد الشيخ عبد السلام الأسمر، يعرفون في برقة بأولاد شيخ برقة للاستدلال المحلي والانتماء السياسي القبلي بما في ذلك تبدونهم وانتهاجهم الحياة البدوية، بينما أولاد بوراوي يعرفون بأولاد شيخ ورفلة حيث استقروا في بني وليد، وكذلك أولاد سيدي فتح الله وأولاد ابعيو وبوشعالة الذين يعرفون بأولاد شيخ مصراته، ولهم مناطق تسمى بأسمائهم في المدينة، وهكذا الأمر حتى في زليطن مع أولاد عبد السميع. والجدير بالذكر ان هؤلاء جميعاً هم روافد من منبع الفواتير، ولهم ولاءاتهم للمناطق التي يعيشون فيها اكثر من ولاءات الدم وارتباطاتهم القرابية فيما بينهم. هذا وقد تزايد عدد سكان الحضر وخاصة في بنغازي ودرنه، إما بالتوالد أو بازدياد موجات الهجرة، حتى اصبحوا الأغلبية في أماكن مثل بنغازي. كما توجد قبائل هي أصلاً من الشرق كالبراغثة (من العواقير) في قبيلة ورفلة، والرواجح (من أولاد حمد) في القره بوللي. ولكن عدد من أتى من الغرب ليستقر في الشرق كان اكثر. فالبعض انضم إلى قبائل الشرق وأصبح جزء لا يتجزأ منهم كالبلاعزة والعمايم وقماطة بين العواقير. بل وصل الحال إلى استيعاب العناصر الوافدة من الخلافة الإسلامية كما حدث مع سكان جزيرة كريت من المسلمين الذين اضطروا للاستقرار في برقة سنة 1898م، فكاتبهم الحاسة وسموا بالحاسة الحمر. ومع بداية القرن العشرين الميلادي تشكل في الجغبوب مزيج قبلي سمى بالإخوان السنوسيون وهم عبارة عن افارقة يعرفون بالسوادين وبعض من قبائل البادية البرقاوية، كذلك بعض العلماء الطرابلسية والفزازنة والمغاربية وعوائلهم الذين بايعوا السادة السنوسية وانتقلوا معهم إلى الجغبوب ليتخذوها موطناً لهم. وهذه تكتلات في مجملها كانت نتاج نظام المكاتبة والمؤاخاة - الصيغة المفضلة للتحالفات عند القبائل. الهجرة والسنوسية كما كان للطريقة السنوسية امتدادات وأتباع داخل دول الجوار حيث بلغ عدد زواياها في مصر قرابة 47 زاوية، وفي جزيرة العرب بما فيها مكة والمدينة 25 زاوية، بينما في بلاد السودان (وخاصة تشاد) قرابة 17 زاوية، وفي تونس 6 زوايا فقط. لقد وجد السيد الإمام محمد بن علي السنوسي، مؤسس الحركة السنوسية، في هجرته إلى ليبيا البديل عن الجزائر المحتل، وأرض برقة خصبة لأفكاره. ولكن كان المستفيد الأكثر من غزارة علمه وعصارة تجربته هم البدو خاصة بعد طوافه بالمشرق والمغرب، وكذلك ممن رافقه من أتباعه العلماء من الليبيين والمهاجرين المغاربة وغيرهم الذين عرفوا فيما بعد بالإخوان.[3] سبق ذلك سيطرة الطرق الصوفية على التدين في اغلب المدن والقرى الليبية وخاصة العيساوية والقادرية والمدنية والعروسية. ولكن بقت البادية، وخاصة برقة، في مجملها خالية من الطرقية ولم يسجل حضور للمتصوفة في المجتمع البدوي البرقاوي إلا للسيد ظافر المدني (الطريقة المدنية) أو السيد محمد بن علي السنوسي الذي نجح في اختراق البدو وتدينهم. وهذا النجاح الباهر استلفت نظر الدكتور محمد فؤاد شكري الذي درس السنوسية ووضع كتاباً أسماه "السنوسية دين ودولة" وأشار فيه الى النفوذ التي وصلت اليه السنوسية في برقة، حيث لم يسبقها اليه أحد من قبل، حتى ان شيخ الزاوية السنوسية ببنغازي الشيخ عبد الله التواتي - وليس الحاكم التركي - كانت له الكلمة العليا والقول الفيصل في مجريات الحياة في المدينة عام 1884م، بل أن كبار موظفي الدولة العلية كانوا يسعون جاهدين لنيل رضاء السنوسيين بما فيهم الوالي العثماني في طرابلس، علي أشقر باشا، الذي سبقهم في ذلك. فلقد … "كان يكرم السيد المؤسس إكراماً عظيماً ويعتمد على السنوسية ونفوذها في حكومة دواخل برقة خصوصاً؛ واعترفت الدولة للسيد عن طريق واليها بالزعامة والإمارة". وأعفت السنوسية من الضرائب الأميرية والأعشار الشرعية. "… بل ذكر المؤرخون أن السيد محمد بن علي السنوسى الكبير لم يلبث أن نال من السلطان العثماني عبد الحميد (1839-1861م) في عام 1855م فرماناً جعله بمثابة الأمير المستقل بإمارته … وفي الجغبوب زاد نفوذ السيد وبلغ ذروته حتى اصبح سيد الصحراء المطلق. ولم يصب علاقته بالدولة أي تغيير بسبب ذلك، بل ظل الولاة العثمانيون في برقة وطرابلس يخطبون وده ويحرصون على صداقته حتى وفاته في عام 1859" … كما يقول الدكتور شكري في كتابه. ويستدل الأستاذ بازامه بثقة وينقل عن الدكتور شكري وصفه لوالي بنغازي العثماني، علي كمالي باشا، الذي كان يعتبر نفسه: "أولاً وقبل كل شئ خادماً للسيد السنوسي، ومن أتباعه، ثم موظفاً وحاكماً عثمانياً بعد ذلك". وهذا بدا جلياً في العلاقة الروحية - والشراكة فيما بعد - التي سادت بين الحكومة العثمانية والحركة السنوسية. ولذا نقل السيد السنوسي الكبير [4] هذا العلم والتجربة في تمازج مع البادية، بشكل يثير الاستغراب، القبائل نقلة نوعية وغير اغلب مجاري الحياة في ليبيا بصورة قل مثيلها في تاريخ المنطقة، فوضعت ليبيا بجدارة على خريطة المنطقة. وهذه التجربة، في نظرنا، كانت بمثابة التكملة لتجذير الهوية الليبية التي دشنها القرمانليون. فأكدت السنوسية على الترابط الجغرافي والإداري ومن ثم الروحي لليبيا مع مجموعة من الأبعاد في مقدمتها البعد الإسلامي والإقليمي وكذلك القطري. وسبب استقرار السيد الأمام في برقة يسرده الشيخ بن علي في كتابه عن تاريخ العائلة السنوسية ان الشيخ بوشنيف الكزه، أحد مشايخ قبيلة العواقير الأفذاذ، كان مريضاً على فراش الموت فاسُتدعي له السيد الأمام من بنغازي حيث دلهم عليه الشيخ علي خريبيش.[5] وطلبوا آل الكزة من السيد الإمام رؤية الشيخ بوشنيف الذي كان يحتضر. وبالفعل ذهب معهم السيد ورأى الشيخ وقرأ عليه ما يقرأ من رقى الصوفية والتعازيم ودعا له بالشفاء. فسرعان ما انفشت بطنه المنتفخة على الفور واستيقظ من غيبوبته، فهاجت نجوع العواقير الكائنة بمنطقة الظاهر بزغاريد نسائهم وفرح الجميع بعودة الشيخ الكزه إلى الحياة بفضل الله تعالى، وحمد الجميع الله تعالى على استجابته الفورية لدعاء السيد مما زاد الناس يقيناً في السيد. وانتشر هذا الخبر في ربوع البادية وحواضر برقة. وأقام السيد الإمام في نواجع العواقير قرابة الشهر وجاءت الوفود تلو الوفود تسلم على السيد، فرأى مشايخ برقة وفي مقدمتهم العواقير والبراعصة والمغاربة ان السيد تحتاجه برقة. وكان الشيخ أبو بكر حدوث البرعصي ممن اقتنع بهذا الرأي، وكان من وراء هذه القناعة ابن عمه، داهية البدو وعقله المدبر، الشيخ عمر جلغاف. [1] المقصود أن برقة تربي كل من يأتي إليها لسبب أو لأخر، و تعطيه فرصة متكافئة للعيش فيها. [2] منطقة الصابري، مسقط رأس كاتب هذه السطور، محاذية لشط البحر. و ترجع عائلة الصابري مرفأ قصر حمد البحري بمنطقة مصراته. و لعلهم وجدوا في شط الصابري و رماله ما يخفف عنهم الغربة و العوض في البعد عن شط و رمال قصر حمد. [3] إلى جانب المغاربة (تونس و الجزائر و مراكش) كان هناك بعض الأخوان من شبه جزيرة العرب كالسيد محمد بن صادق من الطائف، و السيد فالح الظاهري من الحمراء بالحجاز. و كذلك السيد محمد بن الشفيع و السيد عبد الله بن محمد السني و هما من سنار السودان. [4] السنوسي الكبير كان لقباً عادة يطلق على من يرأس الطريقة ليميز عن بقية الأخوان، الذين هم أتباع الحركة المخلصين من الخاصة و العوام. و انتقل هذا اللقب من السيد الأمام المؤسس إلى ابنه السيد المهدي و من ثم السيد احمد الشريف إلى أخرهم و هو السيد إدريس السنوسي. [5] يبدو انه أحد الصالحين من عائلة نجم، حيث ان جد عائلة هو خريبيش صاحب المقبرة الشهيرة قرب منارة بنغازي. الجزء الخامس (د. فرج عبدالعزيز نجم) ويتساءل البعض لماذا استقر السيد الإمام في برقة دون سواها؟ ولماذا اختارها لانطلاق دعوته الإصلاحية والسياسية؟ أسئلة طالما حيرت الباحثين. لعلنا نجد الجواب كامناً في برقة الجغرافية، وبرقة القبائل. فبرقة منقطعة ومنفصلة في شبه جزيرة تحاصرها الصحراء من الشرق والجنوب والغرب، والأغلبية الساحقة من قبائلها تقيم في نجوع بمنأى عن الساحل المطل على البحر الأبيض المتوسط. أما التركيبة القبلية فهي عربية بدوية صرفة، تربطها أنماط حياة اجتماعية متجانسة، يقوم فيها النظام القبلي، كما هو الحال في بقية ليبيا، على عصبيات دموية مشتركة وتقاليد وأعراف بدوية واحدة. وعصبية "قرابة الدم" كانت عنصراً فعالاً ومحركاً للقتال والتضحية من أجل ولاءات وعهود للسنوسية. والسنوسية بدورها استثمرت هذه الولاءات والعهود خير استثمار واستوعبت جيداً المثل البدوي القائل: " أنا وخوي على ولد عمي، وأنا وولد عمي على الغريب". ومن ثم استطاعت السنوسية والبادية ان تحول هذا المثل إلى "أنا وخوي وولد عمي على الغريب". كما أن دواخل برقة خلت من الإقطاعيين والباشوات والبايات وما شابه ذلك من الأنظمة الهرمية التسلطية في بعض الدول العربية، وبقيت بعيدة عن سيطرة المدن كطرابلس وبنغازي ودرنة وبالتالي لم تكن للسلطات العثمانية السيطرة الفعلية عليها وإنما بقت السلطة المطلقة في أيادي القبائل وشيوخها، وهذا كان واضحاً من العمليات التأديبية التي تقوم بها الحكومات من حين إلى أخر لجبي ضرائبها. والتساؤل الأخر الذي يطرحه البعض لماذا استقر السيد الإمام في الجبل الأخضر وبنى زاويته في الجبل بدلاً عن برقة البيضاء الفسيحة والتي كانت تتحكم فيها بالدرجة الأولى قبيلتي العلايا: العواقير والمغاربة، بينما كان الجبل مقسماً بين قبائل الحرابي[1] التي لا تقل عن خمس قبائل. وهذا مرجعه إلى انضواء الحرابي تحت قيادة رجل واحد يتمثل في شيخ شيوخهم أبوبكر حدوث. وبالفعل أعطيت للسيد أرضاً من أملاك عائلة حدوث بعد تنافس مع عائلة الجلغاف بالرغم انهما من بيت طامية أقوى بيوت البراعصة. وشيدت على ارض عائلة حدوث الزاوية الأم على مقربة من ضريح الصحابي رويفع الأنصاري. وليمتن السيد الإمام علاقته ببقية قبائل برقة فقد خص وشرف الشيخ عبد الله بوسويحل المريمي، أحد شيوخ قبيلة العبيدات، عندما زاره السيد في بيته دون غيره. بينما برقة البيضاء، والعواقير تحديداً، كانت لها قيادات متعددة ومتنافسة ولم تكن كالبراعصة أو حتى الحرابي الذين اجتمعوا على قيادة واحدة آنذاك. وخير من وصفهم هو الشيخ عبد السلام عبد القادر الكزة عندما قال للشيخ عبد الجليل سيف النصر عن العواقير ومشايخها بأنه "جمل بين جمال". والمقصود هنا أن العواقير لا تجتمع تحت إمرة رجل واحد كائناً من كان. وهذا كان جلياً حتى في قيادة المجاهدين ضد الطليان من قبيلة العواقير. فكان هناك الشيخ عبد السلام الكزة ينافسه الشيخ عبدالحميد العبار الذي كان يمثل قسماً من بيت سديدي في قبيلة العواقير، بينما كان الشيخ سليمان رقرق يمثل جناحاً أخر في منطقة الابيار وبنينه، وكذلك عائلتي اللواطي والأصفر.[2] ظروف وملابسات تمكين السيد السنوسى الكبير في الجبل الأخضر فيها تشابه وتشابك إلى حد ما مع ما مر به السيد عبد السلام الأسمر الفيتوري من حيث السياحة ونصرة القبائل له. مكث الشيخ عبد السلام في أماكن متعددة في ليبيا وجبل زغوان بتونس شريداً بلا مناصر أو كفيل. وعلاقة بعض السادة الصوفية وجبل زغوان علاقة روحانية حيث يرى بعضهم ان هذا الجبل مباركاً. ويقول بعض المتصوفة في ليبيا انهم توارثوا رواية مفادها "ان كل الأولياء عبدوا الله تعالى فيه ولو ساعة". فقد اخُرج الشيخ من زليطن سبع مرات، وتنقل بين الساحل وطرابلس ثم جبل غريان لتستقبله قبيلتا أولاد سيدي الساعدي (السواعدية) وأولاد بوسلامة أحسن استقبال في منطقة القواسم. ثم اضطر للانتقال إلى قلعة سوف الجين في منطقة بني وليد ليقيم سبع سنوات هناك. ومن بعدها انتقل إلى تاورغاء التي احب أهلها لما فيهم من طيبة وكرم حتى كاد ان يبني زاويته بينهم. وبعدها انتقل إلى مصراتة التي قابلته هي الأخرى بمثل ما قابلته به تاورغاء التي أراد الاستقرار فيها ليغادرها ويكمل ما تبقى من العمر في مكانه الأخير الذي احتضنته فيه قبيلة البراهمة دون غيرها في مدينة زليطن.[3] ففرح البراهمة به وتقبلوا أفكاره وناصروا دعوته، ومن ثم وفروا له الحماية والدعم باقتطاع جزء من أرضهم ليبني عليها زاويته الشهيرة، ومن ثم يموت ويدفن بها سنة 1573م. وتصبح زاوية الشيخ منارةً لطلاب العلم والدعوة العروسية، وأكبر وأقدم معهد لتحفيظ القرآن الكريم بليبيا. ومن علماء زليطن من دعم الحركة السنوسية من أمثال السيد عمران بن بركة الفيتوري والشيخ عمر محمد الأشهب (من قبيلة أولاد غيث). والسيد عمران كان مدرساً للسيد المهدي، ووالداً لأم السيد احمد الشريف. ومن ثم ارتقت زاوية الشيخ عبد السلام فيما بعد لتصبح معهداً إسلامياً تابعاً لجامعة السيد محمد بن علي السنوسى الإسلامية في البيضاء سنة 1957م. والآن هي صرح علمي مستقل في مدينة زليطن ومعروف بالجامعة الاسمرية. ويبقى الأهم ان دعوة الإمام محمد بن علي السنوسى للإقامة في برقة كانت لها دلالة من حيث حاجة البادية الماسة إلى قيادة روحية في أراضٍ حل فيها الجهل مكان القيم الروحية والأخلاقية. وكذلك تحمل دلالة أخرى هي استيعاب برقة للمهاجرين من أينما أتوا لا سيما الحجاج المغاربة، واذا ما تطلب الأمر مع التذكير بان السيادة لقبائلها مهما تغيرت المسميات. وهذا ما أكده الشيخ سليمان رقرق عندما اختلف مع السيد إدريس السنوسي في ترتيباته لإمارة برقة السياسية. فعندما أراد السيد التأكيد على إمارته لبرقة وانه هو الأمير الشرعي والزعيم الأوحد لها سنة 1949م. قال حينها الشيخ سليمان غاضباً للسيد إدريس "برقة لم يأتِ بها جدك في خرجه من الجزائر".[4] والجدير بالذكر ان السيد الأمام محمد بن علي السنوسي بعدما ترك كل شئ في بلده الأصلي في الواسطة بمستغانم الجزائرية أسس أول زاوية له في جبل أبي قبيس بمكة المكرمة سنة 1837م/1253هـ، ثم جاء ليستقر بالجبل الأخضر ويبني زاويته البيضاء التي عرفت بأم الزوايا سنة 1842م/1257هـ لتصبح النواة الحقيقة لحركة إصلاحية عريقة ودولة مستقلة يقودها أحد أحفاده بعد وفاته بقرن من الزمان. ومن ثم انتقل السيد الأمام بعدها إلى واحة الجغبوب وتوفي بها ليترك فيها آثاره ومجهوداته الفكرية والإدارية ليجعل من هذه الواحة التي كانت قبل مجيئه إليها سيئة الصيت، نائية، تفتقر إلى كل مقومات الحياة، حتى ان ماءها شديد المرارة ممزوج بملح، ومن ثم تصبح عاصمة للسنوسية في بادئ الأمر، ومن ثم معهداً إسلامياً على غرار الأزهر بمصر والقرويين بفاس والزيتونة بتونس، وكادت الجغبوب ان تضاهي الصروح العلمية فيما بعد اذا ما كتب لها ذلك. رأى مؤسس هذه الحركة ان زواياه هي سبيل الأجدى لإصلاح واستقرار البدو الذين استفحلت بينهم العداوة والبغضاء التي كانت مكلفة للقبائل في الأرواح والأموال، وانتقاصاً من هيبة الحكومة ونقصاً لمواردها الضرائبية. فأنشأ لكل قبيلة من قبائل برقة زاوية على أرضها تتكفل القبيلة بتكاليف البناء والتسيير، وتكون بمثابة المركز والمرجع لأي خلاف بين القبائل، وتجعلها حرماً آمناً لمن دخلها واستجار بها، لا يطلق فيها رصاص أو يشهر سلاح، ولا يسمح للشجار فيها أو إعلاء صوت بالغناء أو الخصام. ويقضى فيها طبقاً للشرع الإسلامي اخذين بعين الاعتبار التقاليد والأعراف البدوية الموافقة للشرع. وكل هذا كان يصب في خدمة القبائل دينياً ودنيوياً كما رآه البدو أنفسهم. واذا ما تعددت بيوت القبيلة الواحدة فتتعدد الزوايا بقدر الإمكان لتلبي حاجات الجميع. فقبل البدو زعامة السنوسية وقياداتها لأسباب عدة على رأسها أنها حركة تعني وتخاطب الرجل البسيط (البدوي) وتقضي له حاجاته وتوفر له الأمن والاستقرار. ولكن الأهم، في نظرنا، أن قيادتها ليست من المنافسين المحليين، أي ليسوا من القبائل المتناحرة، بل رجال أشراف لا قبيلة وراءهم ولا أطماع قبلية أو شخصية لهم إلا خدمة الإسلام وكل المسلمين. وأجد في هذا التعليل ما يتفق مع المنطق والواقع كون البادية في برقة لا تتفق على قيادة من بينها لأن قبائلها تتنافس وتتناحر فيما بينها، وأنها ترى في هؤلاء الأشراف المرابطين الأهلية الروحية والعلمية لقيادتهم، وكذلك مظلة يستطيع الجميع الاستظلال بظلها النابع من الإسلام. حتى انه بعد رحيل السيد محمد بن علي السنوسي إلى الحجاز ومن ثم طلبه لابنيه السيد المهدي والسيد الشريف ليلحقا به لكي يشرف على تعليمهما، فقد اقلق غياب الأمام وابنيه أعيان برقة وشيوخ قبائلها رغم الاستقرار وتقدم الحركة بينهم. فبعثت من ليبيا البعثة تلو الأخرى تستجدي الإمام الرجوع فوراً، ورأى عقلاء القبائل الكبرى أن إنجازات الأمن والاستقرار مهددة، وأن البديل هو الرجوع إلى جاهلية الثارات والتهجير، فأسرعوا في حث السنوسي الكبير وولديه على الرجوع. وممن ذهب لهذا الغرض الشيخ عمر الجلغاف عن قبيلة البراعصة، والشيخ علي لطيوش [5] عن قبيلة المغاربة، والشيخ بوشنيف الكزة عن قبيلة العواقير وقد تجاوز عمره المائة عام. وبالفعل استجاب السيد الإمام لرغبتهم فقفل عائداً إلى برقة ليصنع مع قبائلها هو وأبناءه تاريخاً لها. [1] تنقسم قبائل برقة بين سعادي ومرابطين. ومن السعادي أولاد علي والحرابي والجبارنة والبراغيث. وقبائل الحرابي تقطن الجبل الأخضر حتى الحدود المصرية الليبية. وتتكون من العبيدات وأولاد حمد (والبراعصة) والدرسة والحاسة وأولاد فايد. بينما الجبارنة هم الجوازي والعواقير والمغاربة والمجابرة والعريبات والجلالات. ويمتدون من المرج حتى الوادي الحمر بالقرب من سرت. والبراغيث هم العرفة والعبيد والفوايد، ويعيش اغلبهم بين الحرابي والجبارنة في سهل المرج وتاكنس وجردس العبيد. [2] لكثرة القيادات بين العواقير رأى السيد احمد الشريف من الأفضل ان ينصب القجة عبد الله – من قرعان تشاد – قائمقاماً لدور الجبارنة كلهم بما فيهم العواقير. وبذلك قطع دابر الفتنة. راجع الشلماني – شئ عن بعض رجال عمر المختار صـ 49. [3] البرموني – تنقيح روضة الأزهار في مناقب سيدي عبد السلام الأسمر صـ 112. ومن القبائل التي أساءت اليه إساءة بالغة كما ذكرها البرموني قبيلتي الأحامد وأولاد غيث الذين دعا عليهم الشيخ بالهلاك إلا من تبعه منهم (راجع نفس المصدر صـ 101-104. [4] رواية شفوية أكدها لي اكثر من مصدر معاصر لهما، ولكن لحساسيتها لم يذكرها أحد من المؤرخين فيما اعلم. [5] عمدة قبيلة المغاربة وأول من شيد قصر الزعفران بسرت كمسكن له وعين قائمقاماً لها. وكان أول بدوي يمنح رتبة البكوية من الدولة العثمانية أو كما يقول الأشهب في كتابه "السنوسي الكبير-هامش صـ139". وعقبه ابنه الشيخ الكيلاني لطيوش الذي خلفه ابنه الشيخ المجاهد صالح لطيوش صاحب الباع الطويل في التصدي للطليان في المنطقة الوسطى. وكذلك من عقبه اللواء السنوسي لطيوش أول قائداً للجيش الليبي في حرب التحرير مع قوات الحلفاء (بريطانيا) ضد المحور (إيطاليا) في الحرب العالمية الثانية.
Posted on: Tue, 17 Sep 2013 14:05:43 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015