هما ثورتان لا ثورة واحدة… ثورة - TopicsExpress



          

هما ثورتان لا ثورة واحدة… ثورة هدفها الانتقام ومحركها الحقد… وثورة هدفها إعلاء الأخلاق وتحرير السوريين من الظلم والاستبداد والفساد… من أفضل ما قرأت وترجمت – أستثني منه المقطع الذي يشيد بالسفير الأميركي فورد، فكل الدلائل تؤكد أن الأميركيين ضالعون وبقوة في التدمير المنظم لسوريا- المترجمة النص المترجم: “اذا ما هو الخطأ الذي وقع؟ او لنكن أدق، اين أخطأنا؟ كيف تحولت ثورة نبيلة وملهمة تدعو الى الحرية وأبسط الحقوق الانسانية إلى معمعة من العنف الطائفي المتعطش للدماء والمنحط أخلاقيا الى درجة تجعله غير ملائم حتى للحيوانات؟ هل كان هذا مصيرا محتما؟ أم انه كان من الممكن تجنب انحدارها الى هذا الدرك؟ . الإجابة على ما تقدم من الأسئلة تكمن في الحسابات الخاطئة (أم انها كانت محسوبة؟) للسوريين الذين حملوا السلاح ضد نظامهم. نظام ديكتاتوري عسكري متوحش تجمعه المحسوبيات والولاءات العشائرية والطائفية خلال أربعين عاما من السلطة المطلقة. السفير الأميركي السابق لدى دمشق روبرت فورد حذر من هذه المسألة تحديدا خلال زيارته السيئة الصيت في صيف العام 2011 إلى مدينة حماة التي كانت تشهد موجة تظاهرات ضخمة مناهضة للنظام قبل أن يدخلها الجيش السوري. لكن التحذير وقع على آذان صماء، سواء أكان هذا متعمدا أو عرضيا ولا يمكننا أن نلوم أحدا على هذا سوى أنفسنا. وبغض النظر عما إذا تدخل الغرب والعالم أم لم يتدخل فنحن وحدنا المسؤولون في نهاية المطاف عن تدمير بلدنا. قال نيتشه يوما “على من يحارب الوحوش أن يحرص على ألا يتحول إلى وحش بدوره خلال العملية” . مقولة كانت بمثابة النبوءة في السيناريو السوري. فبعيدا عن كل الأجندات والطمس ومحاولات تجميل الوقائع والبروباغندا والأكاذيب المفضوحة لوسائل الإعلام العالمية، فإن ما رأيناه بأنفسنا على أرض الميدان في حلب عندما دخل الثوار إلى المدينة كان واقعا مغايرا جدا. واقع صادم بشدة، خاصة بالنسبة لنا نحن الذين دعمنا وآمنا بالثورة منذ البداية. لقد كان ما شهدناه بمثابة الخيانة العظمى. في نظرنا لم يكن ممكنا أن يرتكب ثائر يحارب الاستبداد نفس الجرائم التي يرتكبها النظام الذي يحاربه. فهو لا يمكن ان يسرق بيوت ومصالح وحارات الأشخاص الذين يفترض انه يقاتل من أجلهم. ولكن بعد مضي أسابيع (على دخول الثوار الى حلب) بات جليا أن هذا هو تماما ما يجري. إذ أن الثوار نهبوا وبشكل ممنهج الأحياء التي دخلوها، ولم يولوا أدنى اهتمام لحياة سكانها او ممتلكاتهم. وأقدموا حتى على خطف أناس مقابل فدية مالية، وأعدموا كل من يحلو لهم إعدامه دون تطبيق أي شكل من أشكال المحاكمة القانونية لهم، وخربوا أو دمروا المواقع التاريخية والمعالم الأثرية للمدينة. لقد أفرغوا المعامل والمصانع من محتوياتها بما في ذلك تمديداتها الكهربائية، وحملوا مسروقاتهم من آلاتها الصناعية الثمينة ومحتوياتها عبر الحدود الى تركيا لبيعها بأسعار بخسة لا تساوي سوى النذر اليسير من قيمتها الحقيقية. كما أفرغوا المجمعات التجارية (المولات) من بضائعها وكذلك المخازن، وسرقوا الحبوب من الصوامع، ما خلق أزمة (غذائية) وأدى إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية. لقد استهدفوا بلا توقف الأحياء السكنية الخاضعة لسيطرة قوات النظام، سواء بقذائف الهاون او بالصواريخ أو السيارات المفخخة مخلفين أعدادا غير محدودة من القتلى والجرحى من الأبرياء، فيما أردى قناصوهم تكراراً المارة الغافلين عن وجودهم. ونتيجة لكل ذلك تحول عشرات الآلاف من سكان هذه المدينة الغنية والحيوية والمزدهرة الى فقراء ومحتاجين ومشردين دون مأوى. ولكن لماذا جرى ما جرى؟ ولماذا فعلوا ما فعلوا؟ بات جليا بمرور الوقت أن قضيتهم كانت ببساطة مدفوعة بمنطق “هم ونحن” . “هم” المنتمون الى المناطق الريفية الفقيرة حملوا السلاح واقتحموا المدينة راغبين بالانتقام ضد ما يرونه ظلم السنين الغابرة. دوافعهم لم تكن تشبه دوافعنا.. لم يكن غرضها السعي وراء تحقيق الحرية والديمقراطية للدولة بأسرها، وإنما كانت مدفوعة ببساطة بكراهية لا متناهية ورغبة بالانتقام لأنفسهم. ولأنهم متطرفون وطائفيون بطبيعتهم، لم يخفوا بأنهم يعتبرون جميع سكان مدينة حلب، جميعنا بلا استثناء، اتباعا للنظام وموالين له، وبأن حياتنا وأملاكنا هي عرضة للسبي والمصادرة من قبلهم عقابا (على ما يعتبرونه ولاء للنظام). وسرعان ما أصبح أمراء الحرب المنتفعين من بينهم معروفين، وأصبح ميلهم للنهب ولنشر الرعب بين السكان يبثان مرارة وغضبا يفوقان بأضعاف ما خلفه النظام وقواته. أضف الى هذه المعمعة الرهيبة المتطرفين الإسلاميين وولاءهم المعلن لتنظيم القاعدة وخططهم المخيفة لمستقبل بلدنا وستعلم بدقة الأجواء التي تسيطر علينا هنا: خوف رئيسي مكبِّـل، ومزيج من الرعب واليأس. إذا من نكون “نحن”؟ ولماذا شعرنا بأننا مختلفون عنهم أو أفضل؟ عندما أقول “نحن” – ورغم خشيتي من أن أبدو “نخبويا” – فإنني أعني حراك المعارضة المدنية الشعبية في حلب، الذي ظل ولأشهر، ينظم تظاهرات سلمية ويوصل المعونات (إلى المحتاجين والمحاصرين) رغم المخاطر الجسيمة التي تترتب عن هذه العملية. لقد آمنا وبحق، بالمثل والقيم العليا للتغيير السياسي والاجتماعي وسعينا للامتثال بها. لقد حاولنا الاقتداء بحركة الحقوق المدنية الأميركية في الستينيات، وبنضال مانديلا ضد نظام الفصل العنصري (في جنوب أفريقيا)، وبتعاليم غاندي، وهو بالتحديد ما فعلته الحركات المدنية المطالبة بالتغيير في دول الربيع العربي الأخرى أمثال تونس ومصر. بالنسبة لنا “نحن” فإنّ الثورة هي نضال بطيء (طويل الأمد) وهادف وملتزم نحو التغيير. شأنها في ذلك شأن قطرات الماء وهي تتساقط بلا انقطاع على صخرة، إلى أن تتمكن من كسرها. أما “هم” ففكرتهم عن التغيير تتمثل في إلقاء طن من مادة التي ان تي (الشديدة الانفجار) على هذه الصخرة بحيث تتحول هي وكل ما يحيط بها الى أشلاء متناثرة. “نحن” في معظمنا نتحدر من أسر متعلمة من الطبقة الوسطى في المدينة، وخلفياتنا (الاجتماعية) تشمل مختلف المهن والطوائف والمناطق، ولم تكن هذه المسألة (الاختلافات) تعنينا في شيء إذ أننا لم نسأل يوما من أين يتحدر هذا الشاب أو هذه الفتاة، أو ماذا يعبدان. وكنا جميعا نساهم بأقصى ما استطعنا (في خدمة الحراك السلمي المدني) كل حسب قدرته. رئيس مجموعتنا (على سبيل المثال) كانت محامية مسيحية شابة، تتمتع بحيوية وتفانٍ قلّ نظيرهما. أما بقية المتطوعين في مجموعتنا فكانوا بتنوعهم الاجتماعي بمثابة عينة من الفسيفساء السوري: شابات محجبات، شبان من الطائفة الشيعية، شبان أغنياء، شبان فقراء من الطبقات العاملة، جميعهم يتعاونون ويعملون معا على تحقيق المثل العليا المشتركة بيننا جميعا والتي نؤمن بها بشدة. خلال نشاطنا السلمي المعارض، خضع بعض أعضاء مجموعتنا للاعتقال وتعرض البعض الآخر للإصابات والجروح (على يد النظام) كما أنّ أحد أعضاء المجموعة استشهد. ولهذا فإنّ صدمتي وحزني بلغا ذروتهما عندما تلقيت، بعيد اقتحام حلب على يد الثوار، رسائل من بعض أعضاء مجموعتنا يتساءل أحدهم فيها “كيف أمكننا أن نكون أغبياء إلى هذا الحدّ؟ لقد خُدعنا!” ويقول آخر: “أخبر أطفالك ذات يوم بأنّ بلدنا كان غاية في الجمال والروعة فيما مضى، ولكننا دمرناه بجهلنا وأحقادنا” . خلال هذه المرحلة تقريبا، قررت التخلي عن الثورة بالشكل الذي أصبحت عليه. وبتّ أرى أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ سوريا تكمن بالمصالحة الوطنية ونبذ العنف، رأي يشاطرني فيه كثيرون. ولكن لسوء الحظ، لا يناسب هذا الرأي أمراء الحرب والمتنفذين الذين يظنون بعد كل ما حصل بأن المزيد من الدماء السورية يجب أن تراق لإشباع جوعهم المزمن للدماء، وتحقيق تطلعاتهم وأهدافهم القذرة. بينما كان بعض الناشطين والمثقفين ورجال الأعمال والأطباء وأصحاب الخبرات المهنية يغادرون مدينة حلب أفواجا، قرر آخرون البقاء وسعوا لتنظيم حراك مدني لإيصال المعونات والدعم الإنساني و الإغاثي للآلاف المؤلفة من الأسر التي أجبرت على النزوح داخل حلب، والعيش في وضع إنساني مزرٍ. ولكن سرعان ما تبين أنّ هذه الجهود هي من دون جدوى، فكل شيء تغيّر، ولن تعود الامور أبداً إلى سابق عهدها. لقد باتت معادلة “هم ونحن” (التخندق) تطبق على كل شيء في سوريا اليوم: المعارضة في مواجهة النظام، والعلمانيون في مواجهة الإسلاميين، والسنّة في مواجهة الشيعة، والناشطون السلميون في مواجهة المسلحين، وأبناء المدينة في مواجهة أبناء الريف… وفي ظلّ كلّ هذا التخندق والتضاد، بات من المحتّم أن يغرق صوت العقل والمنطق وأن يغيّب. أما ما سيتبقى من سوريا بعد هذا السعار، فسيقسّم حتما بين الذئاب وطيور الجيف التي تقاتلت على جسدها النازف الذي ينازع سكرات الموت، ويتركون لنا نحن، الشعب السوري، عملية لملمة أشلاء وطننا المتناثرة ومستقبلنا. هل يتسع لنا المجال للوم أحد سوى أنفسنا على كل ما اقترفناه؟ هل كان هذا قدرنا المحتوم، أم أنه نتاج مخططات مجرمة لرجال أشرار؟ أسئلة ربما تجد إجابات لها الأجيال المقبلة من السوريين. إدوار دارك هو اسم وهمي لناشط سوري مقيم في حلب. لمتابعته على تويتر: @edwardedark الرابط الأصلي للمقال المنشور في صحيفة آل مونيتور المتخصصة في قضايا الشرق الاًوسط: Read more: al-monitor/pulse/originals/2013/05/syria-revolution-aleppo-assad.html#ixzz2V0rZnAyt (خارج السرب)
Posted on: Sun, 09 Jun 2013 06:08:24 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015