﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ - TopicsExpress



          

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2009-04-27 هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر الربع الأول من سورة العنكبوت, وهي سورة مكية, وآياتها تسع وستون(69) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود التشبيه فيها للجوء المشركين إلي أولياء من دون الله بلجوء العنكبوت إلي بيته, وهو أهون البيوت علي الإطلاق من الناحيتين المادية والمعنوية. وهذا هو المقام الوحيد الذي جاء فيه ذكر للعنكبوت في كتاب الله. ويدور المحور الرئيسي لسورة العنكبوت حول قضية الإيمان بالله, وتكاليف ذلك الإيمان, مما قد يتعرض له المؤمنون بسبب تمسكهم بدين الله, ودعوتهم إليه, وهو نتيجة حتمية للصراع بين الباطل وأهله ـ من جهة ـ والحق وجنده ـ من جهة أخري ـ وهي من سنن الوجود في حياتنا الدنيا. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة العنكبوت وما جاء فيها من ركائز العقيدة, والقصص, والإشارات الكونية, ونركز هنا علي أحد المواقف المهمة في سيرة عبدالله ونبيه إبراهيم ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ والذي عرضته سورة العنكبوت بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ ﴾ (العنكبوت16 ـ18). أولا ـ من أوجه الإعجاز التاريخي في النص الكريم: عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم علي شريعة الحق" ( أخرجه الحاكم في المستدرك). وعنه كذلك أنه قال: "إن رجالا صالحين من قوم نوح هلكوا فوسوس الشيطان إلي قومهم أن انصبوا إلي مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا, فلم تعبد, حتي إذا هلك أولئك, وتنسخ العلم عبدت"( صحيح البخاري). وكانت هذه أول وثنية في تاريخ البشرية, فبعث الله ـ تعالي ـ عبده ونبيه نوحا ـ عليه السلام ـ يدعو قومه إلي توحيد الله ـ سبحانه وتعالي ـ بجعل العبادة له وحده لأنه ليس لهم من إله غيره, فما آمن معه إلا القليل, وعلي الرغم من ذلك استمر نوح في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عاما, فما زادتهم دعوته لهم إلا إصرارا علي رفض دعوته وإيذائه, واتهامه بالجنون, وتهديده بالزجر والوعيد, فلما يئس من هدايتهم دعا نوح ربه أن يهلك قومه المشركين, فأمره الله ـ تعالي ـ أن يعد سفينة لنجاته ونجاة من آمن معه, لأن الله ـ تعالي ـ أخبره بأنه سوف يغرق هؤلاء المجرمين لطوفان عظيم, وأن علامة بداية ذلك الطوفان هي ثورة بركان معروف في ديار قوم نوح, وثار البركان وتفجرت الأرض بعيون الماء, وهطلت السماء بأمطار غزيرة جدا, وجاء الطوفان ليغرق مشركي قوم نوح ونجي الله ـ تعالي ـ نوحا والذين آمنوا معه فعمروا الأرض علي التوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ. ثم جاء الشيطان ليختال ذراريهم فأشركوا بالله, وعبدوا الأصنام والأوثان وغير ذلك مما سولته لهم أنفسهم, فأرسل الله ـ تعالي شأنه ـ عددا من الأنبياء لهداية هؤلاء الضالين, وكان ممن وصلنا خبره من هؤلاء الأنبياء كل من هود ـ عليه السلام ـ الذي أرسله ربنا ـ تبارك وتعالي ـ إلي قوم عاد, وصالح ـ عليه السلام ـ الذي أرسل إلي قوم ثمود, وظلت البشرية تنتقل من التوحيد لله إلي عبادة الأصنام والأوثان والنجوم والكوكب, فبعث الله ـ سبحانه وتعالي ـ نبيه وخليله إبراهيم ـ عليه السلام ـ يدعو قومه الضالين إلي عبادة الله ـ تعالي ـ وحده, فعاداه قومه وحاربوه حتى هجرهم إلي أرض فلسطين. وتأتي هذه الآيات في سورة العنكبوت مؤكدة تلك الوقائع التاريخية بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ علي لسان إبراهيم لقومه: ﴿ وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ ﴾ ( العنكبوت18). وجاءت هذه الآية الكريمة بعد آيتين كريمتين أخريين, نصح فيهما إبراهيم ـ عليه السلام ـقومه بعبادة الله ـ تعالي ـ وحده وتقواه, والشكر له, مستنكرا إفك عبادة الأصنام, ومؤكدا أن الرزق من الله ـ سبحانه وتعالي ـ وحده, وأن الخلق جميعا راجعون إلي بارئهم. وجاءت هذه الآيات الثلاث بعد ذكر قصة نوح ـ عليه السلام ـ مع قومه إلي لحظة إغراقهم بالطوفان ونجاة نوح ومن كان معه, ومن هنا فإن الإشارة إلي تكذيب الأمم من قبل قوم نبي الله إبراهيم هو من جوانب الإعجاز التاريخي في كتاب الله. ثانياـ من جوانب الإعجاز الاعتقادي في النص الكريم: (1) التأكيد أن عبادة الله ـ تعالي ـ وتقواه خير من عبادة الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب أو عبادة الأوهام أو الشيطان أو عبادة الشهوات أو الذات أو نفر من الناس أو غير ذلك من صور الشرك بالله ـ تعالي ـ والمنطق السوي يؤكد ذلك ويدعمه, ولذلك جاء في النص الكريم علي لسان النبي الصالح إبراهيم مخاطبا قومه بقول ربنا ـ تبارك وتعالي: ﴿...اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ( العنكبوت16). (2) الجزم بأن عبادة غير الله ـ تعالي ـ من مثل عبادة الأوثان هي من الإفك, والإفك في اللغة هو كل مصروف عن الحق إلي الباطل في مجال الاعتقاد, من الصدق إلي الكذب في القول, ومن الجميل في الفعل إلي القبيح, ولذلك قال ـ تعالي ـ علي لسان نبيه إبراهيم مخاطبا المشركين من قومه قائلا لهم:﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً... ﴾ ( العنكبوت17). (3) التقرير الصحيح بأن الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب وكل ما عبد من دون الله غير ذلك لا يملكون رزقا لأحد, ومن هنا كان من السفه عبادتهم, والشرك في عبادة الله الواحد القهار, ولذلك جاء قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ علي لسان إبراهيم ـ عليه السلام ـ مخاطبا قومه قائلا لهم:﴿...إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً... ﴾ ( العنكبوت17). (4) الأمر بابتغاء الرزق من الله ـ تعالي ـ وحده, وبعبادته وشكره علي عظـيم نعمه, وجاء ذلك في توجيهات إبراهيم ـ عليه السلام ـ لقومه التي يوردها القرآن علي لسانه بقول ربنا ـ تبارك وتعالي-: ﴿...فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ... ﴾( العنكبوت17). (5) تأكيد حتمية الرجوع إلي الله ـ تعالي ـ, وموت جميع المخلوقات من مختلف صور المادة والطاقة, إلي جميع الأحياء ومنهم الإنسان خير شاهد علي ذلك, ومن هنا جاء تحذير إبراهيم ـ عليه السلام ـ لقومه بضرورة الاستعداد لتلك الرجعة إلي خالقهم للحساب والجزاء قائلا ومؤكدا لهم بقول ربنا ـ تبارك وتعالي: ﴿...إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ( العنكبوت17). (6) تقرير حقيقة أن الإنسان فيه ميل إلي تكذيب الحق, والخروج عليه, ومسيرة الإنسان عبر التاريخ تؤكد ذلك وتدعمه, ولذلك قال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ علي لسان عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ مخاطبا قومه مؤكدا هذا الواقع لهم بقوله: ﴿ وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ... ﴾(العنكبوت18). (7) تأكيد حرية الإنسان في اختيار الدين الذي يدين به نفسه لخالقه, لأن علي أساس من هذا الاختيار سيكون خلوده في الآخرة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا, وجاء هذا التقرير علي لسان إبراهيم لقومه بقول ربنا ـ تبارك وتعالي:﴿... وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ ﴾( العنكبوت18). ثالثا ـ من أوجه الإعجاز العلمي في النص الكريم: (1) تأكيد أن عبادة الله وتقواه خير, والعلوم المكتسبة تشير إلي ضرورة وجود مرجعية للكون في خارجه, وهذه المرجعية لابد أن تكون مغايرة للكون ومكوناته مغايرة كاملة, فلا يحدها أي من حدود المكان والزمان, ولا يشكلها أي من صور المادة والطاقة. وهذه المرجعية هي واحدة لوحدة البناء في الكون, وعبادتها والتزام أوامرها خير من أية عبادة أخري. (2) تأكيد قيمة العلم وعلي أن كثيرا من الناس لا يعلمون فضل الإيمان بالله برغم وضوح ذلك, وبرغم العدد الهائل من الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله ـ تعالي ـ لهداية الناس, وبرغم ما أودعه ـ سبحانه وتعالي ـ في الجبلة الإنسانية من إيمان فطري, وما علم أبانا آدم من علم, ولذلك جاء علي لسان إبراهيم ـ عليه السلام ـ لقومه قوله لهم: ﴿...ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾( العنكبوت16). (3) تقرير كرامة الإنسان بالتأكيد علي أن عبادته لغير الله ـ تعالي ـ هي انحطاط بإنسانيته, وهدر لكرامته التي كرمه بها الله. (4) القرار المنطقي بأن كل معبود غير الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ لا يملك من أمره شيئا, ولا يملك نفعا ولا ضرا, ولا يملك من أمر الرزق شيئا ولذلك جاء علي لسان إبراهيم لقومه ما نصه:﴿...إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً... ﴾ ( العنكبوت17). (5) تأكيد أن الرزق من الله الخالق البارئ المصور, والعلوم المكتسبة تشير إلي تخلق كل ما يحتاجه أهل الأرض في السماء, ومن ذلك مركبات الغلاف الغازي للأرض, وإنزال الماء الطهور من المزن, وخلق كل ما تحتاج إليه الحياة الأرضية من عناصر في داخل النجوم, وفي صفحة السماء, ولا يملك ذلك كله أحد غير الله, ولذلك جاءت نصيحة إبراهيم لقومه بقوله: ﴿...فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ... ﴾ ( العنكبوت17). (6) الإشارة إلي وجوب عبادة الله ـ تعالي ـ وحده وإلي ضرورة الشكر له علي نعمة الخلق والصون والرزق, ولذلك جاء علي لسان إبراهيم ـ عليه السلام ـ نصيحته لقومه بذلك قائلا لهم:﴿...وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ... ﴾. (7) تأكيد حتمية الرجوع إلي الله ـ سبحانه وتعالي ـ بالبعث بعد الموت, والحشر, والحساب والجزاء, ثم الخلود إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا, وهذه كلها من الأمور الغيبية غيبة مطلقة, ولا سبيل للإنسان في الوصول إليها إلا عن طريق وحي السماء, وإن كانت العلوم المكتسبة قد بدأت في التوصل إلي إمكانية البعث عن طريق الكشف عن عجب الذنب ـ(The Primary Streak) الذي سبق حديث رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عنه بأكثر من ألف وأربعمائة سنة. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
Posted on: Tue, 01 Oct 2013 07:27:14 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015