ضوابط السلوك الصوفي في فكر النورسي 1 - TopicsExpress



          

ضوابط السلوك الصوفي في فكر النورسي 1 - دلالية اللغة في أنوار الحقيقة لسعيد النورسى - رسالة سمو القرآن نموذجًا / الأستاذ/ الشريف حبيله 2 - بديع الزمان سعيد النورسى والتصوف / أ. عبد الرزاق الغول 3 - فكر النورسى �قراءة صوفية� / عزة منير حسين 4 - صيدة : على خطى النورسى / شعر/ محمد فايد عثمان 5 - المفكر الإسلامى سعيد النورسى ورسائل النور / الشاعرة/ نوال مهنى 6 - النورسى ومنهج الوسطية / محيى الدين صالح 7 - النورسى وإعجاز القرآن المعرفى والحضارى / خالد محمد خلاوى 8 - موقف الفكر النورسى من الصحابة.. والمعرفة .. والولاية.. والكرامة / أ/ سمية عبد الحليم عويس 9 - ضوابط السلوك الصوفى الإسلامي في فكر النورسى / أ. د/ عبد الحليم عويس 10 - بديع الزمان سعيد النورسى رجل الشفقة وطريق الشفقة / عبد الجواد محمد الحمزاوى 11 - أساليب التربية والخصائص الفكرية والسمات النفسية عند بديع الزمان النورسى / متولي حسن عطية متولى 12 - سعيد النورسى من أعلام التصوف في القرن العشرين / محمد عبد الشافى القوصى 13 - جولة مع الإمام النورسى ونظرته للتصوف / خديجة النبراوى 14 - نظرات في الأدب الصوفي عند النورسى / الدكتور أحمد محمد على حنطور 15 - النورسى وأنوار الحقيقة (رؤيته للتصوف المعاصر) / أ. د. عبد المنعم لائحة المؤتمرات • إمارة الشارقة 2007/04/16 • استراليا 2000/08/21 • استراليا 2001/08/18 • الأردن • الجزائر 2001/10/23-22 • الجزائر 2001/10/30-28 • الجزائر 2002/10/21-19 • الجزائر 2004/03 • الجزائر 2004/05/16 • الجزائر 2005/12/19-17 • الجزائر 2009/04/12 • المانيا 1999/12/04-05 • المانيا 2004/03/19-20 • المغرب 1999/03/19-17 • المغرب 2000/04/20-19 • المغرب 2001/01/31-30 • المغرب 2002/04/23-21 • المغرب 2003/01/16-14 • المغرب 2003/01/22-21 • المغرب 2005/03/29-28 • المغرب 2005/03/31 - 2005/04/01 • المغرب 2005/04/02 • المغرب 2005/04/03 • المغرب 2007/04/28-26 • المغرب 2007/05/20-18 • المغرب 2008/03/14-13 • المغرب 2008/12/19-17 • النيجر 2008/03/22-21 • اليمن 2001/01/11 • اليمن 2001/01/14 • اندونيسيا 2000/08/16 • اندونيسيا 2001/08/12-11 • اندونيسيا 2001/08/12-11 • اندونيسيا 2002/01/09-08 • اندونيسيا 2002/01/12-11 • اندونيسيا 2004/07/24 • اندونيسيا 2004/07/25 • تركيا 1992/03/01 • تركيا 1996/09/22-23 • تركيا 1997/12/13-14 • تركيا 1999/04/30 • تركيا 2000/03/25 • تركيا 2007/11/18-20 • تركيا 2011/10/05-03 • تشاد 2002/10/08-10 • سوريا 2008/02/03 • لبنان 2006/04/25-24 • ماليزيا 1999/08/22-21 • ماليزيا 2000/08/14 • ماليزيا 2003/07/15-13 • ماليزيا 2003/10/02-01 • ماليزيا 2004-08-05 • ماليزيا 2006/07/17 • مصر 1997/07/13 - 1997/02/01 • مصر 1999/03/09-06 نظرات في الأدب الصوفي عند النورسى الدكتور أحمد محمد على حنطور بسم الله الرحمن الرحيم نظرات في الأدب الصوفي عند النورسى الدكتور أحمد محمد على حنطور أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر كلية اللغة العربية بالمنصورة عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية عضو اتحاد الكتاب بجمهورية مصر العربية إن الحديث عن أهل الإيمان والتوحيد محبب إلى القلب مؤنس للروح، به تزكو النفوس وتشحذ الهمم وتستنير العقول وتطمئن الأفئدة، وإذا كان المتحدث عنه من ويحسن الأثر، ومن تلك الخاصة الإمام المجاهد، والعالم المتحقق، والمؤمن العابد الشيخ سعيد النورسى (1876 - 1960م) الذي جمع في إمامته وعمله وإيمانه بين المعرفة الحقة والعمل الخالص والجهد الدؤب، وترك وراءه زادًا طيبًا من حسن الأثر وطيب القول وجليل العمل، وذلك ما يدفع المتلقى إلى العيش في ظلال دوحة مكتوباته لحظات يتعطر فيها بأريج الكلمات ويستنير ببريق اللمعات ويستهدى بضوء الشعاعات ويطرب بلطيف الإشارات، ويرشف من رحيق أزاهير تفسير القرآن الكريم وفقه دعوة النور والإيمان. ومن هذا المنطلق يطيب لي أن أقف أمام عالم الشيخ الرحب الفسيح لأتناول جانبًا أراه قريبًا إلى نفسًا وعملاً وهو الأدب الصوفي عند سعيد النورسى، وتقديم ما عن لي من نظرات عند التحليق في آفاق الرؤية الصوفية لديه موضوعًا وفنًا، في إطار المفهوم المحدد لمصطلح الأدب الصوفي، لا بما يتصل به من حديث عن الفكر الصوفي ومنازعة الفلسفية وإن كنا نومئ إليه عند الوقوف على طبيعة المعانى والأفكار، مع الاحتكام في هذه النظرات إلى مقاييس الفن الأدبي وسيلة وغاية، والتدرع بالموضوعية في التناول بعيدًا عن تحامل متسرع أو تعاطف مملول. (1) الأدب الصوفي؛ ملامح ونظرات: الأدب الصوفي هو ذلك الأدب الذي يصدر عن الأديب المؤمن معبرًا عن رؤية الصوفية للكون وعلاقتهم بخالقه، ورسالتهم الروحية في الحياة، وسبيلهم لتحقيق تلك الرسالة على نحو يجعل المرء أدنى ما يكون إلى السمو والكمال الإنساني والدخول في عالم الحب والقرب. وهو بذلك يلتقي مع مصطلح الأدب الإسلامي الذي يصدر عن الأديب من منطلق رؤية الإسلام للكون والإنسان والحياة التقاء الخاص والعام، ويدخل تحت لوائه وإن ظلت بينهما - عند التأمل - فروق ومشابهات في الاهتمامات من حيث إنهما يرجعان إلى أصل واحد وهو مقومات الدين الإسلامي الحنيف، فإن المشابهات بينهما لا ترقى إلى مرتبة التماثل والاتحاد، ومن ثم يبقى لكل من الأب والابن ذاتيته التي تتيح لنا الوقوف على طبيعتهما في وضوح وجلاء. ولعل الحديث الشريف الذي رواه عمر بن الخطاب رضى الله عنه في مجيء جبريل عليه السلام مجلس رسول الله r ليعلم المسلمين معنى الإسلام والإيمان والإحسان يصلح أساسًا لتوضيح منطلقات تلك الذات وتجلية مقاصد هذه الطبيعة(1). وحين نأتي إلى ميدانيهما فإننا نرى أنه إذا كان الأدب الإسلامي يمتد أفقيًا ليتعلق بكل جوانب الحياة الحسية والروحية، فإن الأدب الصوفي يمتد رأسيًا ليهتم بتربية الروح والنفس، وتهذيب الخلق والحس، والترقي في عالمي الطهر والإشراق. وإذا كان الأدب الإسلامي يعين ببيان رؤية الإسلام في الموضوعات التي يعالجها الأديب، والكشف عن موقف الأديب المسلم من قضايا الوجود، مستعينًا بأدواته في التعبير والتفكير في تحديد الرؤية ووصف الأبعاد، فإن الأدب الصوفي يظل معنيًا بإبراز وسائل العروج نحو الكمال ومؤهلات القرب من ذي الجلال، متذرعًا في ذلك بثراء الإيحاء وتصوير الأحوال والمقامات والإفضاء بالهواتف والأشواق. وإذا كان الأدب الإسلامي ينقل لنا صورة شعور ونفس وقصة وعقل وفكر في تكاملهما في توازن وانسجام في شخص الأديب، فإن الأدب الصوفي يحكى لنا هذه القصة وتلك الصورة في امتزاجها وذوبانهما في الكيان الإنساني كله للأديب حتى يصير ذاتا موفرفة في آفاق السمو والقرب، وروحًا محلقة في سماء الكمالات الإنسانية. وإذا كان الأدب الإسلامي يهدف إلى غرس القسم النبيلة وتحقيق إنسانية الإنسان في هذه الحياة، بما يتطلبه ذلك من مخاطبة العقل قبل النفس، والتوجه إلى التخلية قبل التحلية، فإن الأدب الصوفي يقصد إلى تنمية القيم النبيلة وتربية الأحاسيس السامية وتصفية النفوس من الأكدار، وذلك يقتضي محاورة النفس قبل العقل والإحساس قبل الفكر والشعور قبل المنطلق، والتوجه إلى الانتقال بالمرء من علم اليقين إلى عين اليقين إلى حق اليقين. ويفهم من كلام النورسى عن رسائل النور والتصوف ما يؤيد ما ذهبنا إليه في تحديد العلاقة بين الأدب الإسلامي والأدب الصوفي، عندما ذهب إلى أن رسائل النور تنقذ الإيمان والطريقة الصوفية ترفع درجات الولاية. ولعلنا في تحديد هذه الملامح وتقديم تلك النظرات لا نبعد عن حقيقة التصوف الإسلامي الرشيد على النحو الذي وقفنا عليه عند الرعيل الأول من أصحاب المجاهدات والسلوك قبل أن يلج ميدانه أصحاب النظرات الفلسفية والشطحات الفكرية، ووجده الأستاذ عند شيخه الإمام عبد القادر الجيلانى صاحب الاتجاه السلفي في التصوف الإسلامي(2). وهو تحديد تنبع أهميته من إدراك التقائه مع نظرة أهل السنة والجماعة إلى قضايا الوجود، ومن التعرف من خلاله - في النهاية - على علاقة جدول سعيد النورسى بنهر الأدب الصوفي الكبير. (2) سعيد النورسى والصوفية: في بيان علاقة سعيد النورسى بالصوفية منهجًا وغاية لا نستطيع أن نغفل أثرهم في تكوين شخصيته الدينية لدى سعيد القديم، ولا تحققه في بعض مواقفه ونظراته بأحوالهم ورؤاهم على امتداد رحلته الدينية. فهو في سعيد القديم يحدثنا عنه بقوله: "هوت صفعات عنيفة قبل ثلاثين سنة على رأس سعيد القديم الغافل ففكر في أن قضية الموت حق، ووجد نفسه غارقًا في الأوحال.. استنجد، وبحث عن طريق، ووجد نفسه غارقًا في الأوحال.. رأى السبيل أمامه مختلفة.. حار في الأمر وأخذ كتاب فتوح الغيب للشيخ عبد القادر الكيلاني رضى الله عنه وفتحه متفائلاً، ووجد أمامه العبارة التالية: أنت في دار الحكمة فاطلب طبيبًا يداوى قلبك.. نعم هكذا خاطبنى الشيخ: أنت مريض.. ابحث عن طبيب يداويك.. قلت: كن أنت طبيبي أيها الشيخ"(3)، ثم ينقل لنا تجربته مع ما وجده في مكتوبات الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي وهو لفظة ميرزا بديع الزمان، ووصيته في الرسالتين اللتين ورد فيهما هذا الاسم بقوله: وجد القبلة، أي اتبع إمامًا ومرشدًا واحدًا ولا تنشغل بغيره، وكيف أنه اهتدى بعد التفكير في هذه الوصية أن يتخذ القرآن الكريم مرشدًا فكانت رسائل النور التي استقى فيضها من تبعه وتوجه بها إلى أهل القلوب وأصحاب الأحوال، بل أيضًا مسائل قلبية وروحية، وأحوال إيمانية.. فهي بمثابة علوم إلهية نفسية ومعارف ربانية سامية"(4). ونستطيع في ميدان المواقف والنظرات على امتداد رحلته الدينية أن نقف على مظاهر تأثره بالصوفية في نظرية لقضية الحياة والموت، ورؤيته ثمرة الإيمان والتوحيد، ومناجاته لخالقه في رسائله، وإدراكه لحقيقة الذات المحمدية ودلائل رحمتها للعالمين، والتأمل في حياة القوم وقضاياهم والنظر في مصطلحاتهم وطرائقهم في الوصول. نجد ذلك فيما كتبه الشيخ في اللمعات عن الرأفة والرحمة والشفقة والمحبة، وبشارات التوحيد وحقائق الإيمان، وما كتبه في التلويحات عن الطريقة والتصوف، ومفاتيح السير والسلوك، والولاية والشريعة، وما ذكره في المكتوبات عن ولاية الصحابة والكرامة، ومناهج معرفة الله، والبركة وقواعد الزيارة، والمرشد ومفاتيح الأسرار، وما ردده من قبل من ابتهالات في المثنوي العربي النوري. بيد أن الحقيقة تهتف بنا أن نقرر أن الشيخ كان سبيله في ذلك التأثير الإيجابي الذي يأخذ ويدع ويفسر وينقد. يأخذ من التصوف حقيقته الروحية التي تنبع من الكتاب والسنة، وتهدف إلى ترسيخ الإيمان والتمسك بالهدى النبوة ويدع الاهتمام بشكله الظاهري الذي يصرف المؤمنين عن قضايا العصر، والمقولات التي تستند في صدورها على الأذواق والمواجيد الذاتية لا الحقائق الكلية المقررة، ويفسر آراء الصوفية في المكتوب العشرين. عن طريق التأويل الذي يجعل العقل والنقل في وفاق حول هذه الآراء، وهو مع ذلك ينقدهم فيه ببيان مزالق التصوف وورطات الصوفية. وقد يقول قائل: إن الشيخ صرح بطبيعته الدينية بقوله عن نفسه في المكتوبات: إنه ليس شيخًا صوفيًا، وإنما هو عالم ديني. وذهب في رسائله إلى أن هذا العصر ليس بعصر تصوف وطريقة إنما هو عصر إنقاذ الإيمان، وإلى أن الإنسان يدخل الجنة بدون طريقة ولا يدخل الجنة بدون إيمان. وقرر أن رسائل النور تنقذ الإيمان والطريقة الصوفية ترفع درجات الولاية، وإنقاذ مؤمن واحد أفضل من ترقية عشرة مؤمنين إلى درجات الولاية(5). والرد على ما احتج مما صرح به النورسى وذهب إليه وقرره يأتي من عدة وجوه: أولها: أن الشيخ كان حريصًا على ألا يشغل تلاميذه بذاته كمرشد، ويسعى إلى أن يتفاعلوا مع آراءه ودعواته، تحقيقًا لرغبته في أن يراهم قوة فاعلة متحركة بركب الإيمان في رسوخ وثبات. وثانيهما: إدراك النورسى لطبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة وسعى تيارات التغريب إلى العصف بمقوماتها الروحية، وذلك يتطلب البحث عن البذرة قبل الثمر والمؤثر قبل الأثر، أو كما قال عن الخبز قبل الفاكهة، دون أن يكون ذلك تقليلاً من شأن الثمر والأثر والفاكهة. وثالثها: أن النورسى لا يهدف إلى محاربة الصوفية ونبذ طريقتهم، وإنما الكشف عن طبيعة منهجه ومنهج القوم، والإخبار عن همته في التوجه إلى القرآن الكريم لا إلى آراء الشيوخ الذين أدوا دورهم في عصورهم، والإنابة عن رؤيته أن توحيد القبلة تحوه أشد وطأة وأقوم قيلا. ومن ثم فنحن نرى أن سعيد النورسى في سلوكه ومنزعه وطبيعته مجاهد صوفي باحث عن الحقيقة من طراز فريد: فهو مجاهد لا يقف في جهاده عند حد مجاهدة النفس والعروج بها إلى آفاق الخير والحق والعدل، وإنما يمتد به للعمل على تدعيم قاعدتي الجهاد والعروج عند المسلمين والتحليق بهم في هذه الآفاق. وهو صوفي يتحقق بكثير من أحوال الصوفية وغاياتهم في مواقفه وآرائه، وليس متصوفًا يقف عند حد التطلع إلى مقام المقربين الأبرار دون أن يتحقق بحالهم، أو يكتفي بالتشبه بزيهم والانتساب إليهم بل يترقى في مدارج السالكين من أهل التصوف السني الذين وقف على آرائهم وأخبارهم(6). وهو باحث عن حقيقة الإيمان والتوحيد في تفكيره الرفيع ومعرفته السامية، موجهًا قبلة بحثه إلى صوتها العميق الذي يأتي ممن هو حقيق بالإيمان به وأهل لتوحيده قبل التطلع إلى صداها عند ذوى الإيمان وأصحاب التوحيد. (3) آفاق الرؤية الموضوعية: حلق النورسى بتأملاته الفكرية والروحية في آفاق كثير من الموضوعات التي حفل بها الأدب الصوفي بها أصحاب التصوف في مواقفهم العملية وآرائهم النظرية، ومن ثم فإن آفاق الرؤية الموضوعية تتسم بالامتداد والتنوع، حيث دارا حول: فهم المصطلحات، وذكر الوسائل والغايات، ووصف الأحوال والمقامات، وبيان حقيقة النبوة والولاية، وصوغ الدعاء والابتهال، وذكر الإشارات في تفسير القرآن الكريم، والحديث عن الحقيقة المحمدية. ولا يتسع المقام لذكر النصوص الدالة على الرؤية الصوفية للنورسى في هذه الموضوعات، وبخاصة أننا سنأتي على غير قليل منها عند معالجة مقومات الفن وكيفية التعبير عن هذه الرؤية في أدب النورسى، ومن ثم سنكتفى بذكر شذرات كاشفة عن طبيعة تلك الرؤية وأبعادها الفكرية، ففي فهم المصطلحات نرى النورسى يسلك طريقًا ينطق بتأثره بما وقف عليه في تلك الأودية التي صدرت عنها هذه المصطلحات، وهو في هذا الفهم يقف عند حد التعريف بالوصف وإبداء الرأي لا بالرسم والحد، ويكشف عن قيام رؤيته على التأمل الذاتي الذي قد يفضي إلى القبول والتأييد أو إلى الرد والتنفيذ، وهو في رده وقبوله يستند إلى تلك الرواسخ الإيمانية التي استمدها من كتاب المنهج، حيث نراه يفند القول بوحدة الوجود ويبرز ما يقوم عليه من محاذير ومخاطر عدة تتعلق بأركان الإيمان، ويذهب إلى أنه مشرب أهل السكر والاستغراق لا اليقظة والصحو(7). وفى بيان معنى الشريعة والطريقة الحقيقة يكشف عن أهمية الولاية والطريقة ومنزلتهما من الرسالة والشريعة ودورهما في تحقيق السعادة الأبدية بقوله: "إن الولاية حجة الرسالة، وإن الطريقة برهان الشريعة، ذلك لأن ما بلغته الرسالة من الحقائق الإيمانية تراها الولاية بدرجة عين اليقين بشهود قلبي وتذوق روحاني فتصدقها، وتصديقها هذا حجة قاطعة لأحقية الرسالة، وأن ما جاءت به الشريعة من حقائق الأحكام فإن الطريقة برهان على أحقية تلك الأحكام، وعلى صدورها من الحق تبارك وتعالى بما استفاضت منها واستفادت بكشفياتها وأذواقها. نعم، فكما أن الولاية والطريقة هما حجتان على أحقية الرسالة والشرعية ودليلان عليهما، فإنهما كذلك سر كمال الإسلام ومحور أنواره، وهما معدن سمو الإنسانية ورقيها ومنبع فيوضاتها بأنوار الإسلام وتجليات أضوائه"(8). وهو مع هذه الأهمية التي يراها والمنزلة التي يذكرها لا يذهل عن دور الشريعة في تحقيق معنى الحقيقة وتأصيل سر الطريقة، عن منطلق "أن الشريعة هي نتيجة الخطاب الإلهى الصادر مباشرة - دون حاجز أو ستار - من الربوبية المطلقة المتفردة بالأحدية". وذلك ما يجعل الذائقة الصوفية عند النورسى لا تغادر النظر إلى الكتاب والسنة في فهمه لحقيقة هذه المصطلحات. ومن هذا المنطلق تأتى إجابته عن سؤال مؤداه: ما الطريقة؟ بقوله: "الجواب أن غاية الطريقة وهدفها هو معرفة الحقائق الإيمانية والقرآنية، ونيلها عبر السير والسلوك الروحانى في ظل المعراج الأحمدى وتحت رايته، بخطوات القلب وصولاً إلى حالة وجدانية وذوقية بما يشبه الشهود. فالطريقة والتصوف سر إنسانى رفيع وكمال بشرى سام"(9). ويرى النورسى في تناويله الوسائل والغايات "أن مفاتيح هذا السير والسلوك القلبى ووسائل التحرك الروحانى إن هي إلا ذكر الله والتفكر، فمحاسن الذكر وفضائل التفكر لا تحصى"، وأن سلوك طريق الولاية له نهجان: أولهما: السير الأنفسي، وهو الذي يبدأ من النفس، وبصرف صاحب هذا السير نظره عن الخارج، ويحدق في القلب مخترقًا أنانتيه، ثم ينفذ فيها ويفتح في القلب ومن القلب سبيلاً إلى الحقيقة. ومن هناك ينفذ إلى الآفاق الكونية فيجدها منورة بنور قلبه، فيصل سريعًا، لأن الحقيقة التي شاهدها في دائرة النفس يراها بمقياس أكبر في الآفاق، وأغلب طرق المجاهدة الخفية تسير وفق هذا الطريق(10). وثانيهما: السير الأفاقي، وهو يبدأ من الآفاق، ويشاهد صاحب هذا النهج تجليات أسماء الله الحسنى، وصفاته الجلية في مظاهر تلك الدائرة الآفاقية الكونية الواسعة ثم ينفذ إلى دائرة النفس، فيرى أنوار تلك التجليات بمقاييس مصغرة في آفاق كونه القلبي، فيفتح في هذا القلب أقرب طريق إليه تعالى، ويشاهد أن القلب حقًا مرآة الصمد، فيصل إلى مقصوده ومنتهى أمله(11). ويستدل النورسى على ما ذهب إليه بما وجده عند الإمام الرباني رائد الطريقة النقشبندية في قوله "إن السلوك في الطريقة النقشبندية يسير على جناحين، أي الاعتقاد الصحيح بالحقائق الإيمانية، والعمل التام بالفرائض الدينية، فإذا ما حدث خلل أو قصور أي من هذين الجناحين يتعذر السير في ذلك الطريق"(12)، لكنه مرة أخرى يعود إلى ذاته ويخلص إلى الغاية التي وجدها عند الإمام في قوله: "إن منتهى الطرق الصوفية كافة هو وضوح الحقائق الإيمانية وانجلاؤها، ويتخذ منها سبيلاً إلى النتيجة التي يريد أن يقررها في أفئدة مريديه عن أهمية رسائل النور ودورها في الوصول إلى تلك الحقيقة بلا مرور على برزخ الطريقة(13). وهى نتيجة لا نراها تقلل من تقدير النورسى لدور الطريقة الصوفية وإدراكه لثمراتها الوفيرة التي أجملها في نقاط تسع ختم بها حديث التلويحات(14). وفى وصف الأحوال والمقامات يأتي حديث النورسى أقرب إلى التدليل العقلي وتقرير القواعد منه إلى الوقوع على اللطائف والتصوير الأدبي، حيث يذهب في معرض بيانه أن العمر القصير قد يصبح بالأعمال سنين عدة إلى الإشارة إلى حديث القرآن عن ليلة القدر، ويردفها بقوله: "وهناك إشارة أخرى إلى الحقيقة نفسها، وهى القاعدة المقررة لدى أهل الولاية والحقيقة، تلك هي: بسط الزمان الذي يثبته ويظهره فعلاً المعراج النبوي، فقد انبسطت فيه دقائق إلى سنين عدة، فكانت لساعات المعراج من السعة والإحاطة والطول. ما لألوف السنين، إذ دخل r بالمعراج عالم البقاء، فدقائق معدودة من عالم البقاء تضم ألوفا من سني هذه الدنيا"(15). ومثل ذلك نجده في حديثه عن الأولياء وما يرونه لأنفسهم من المقامات، عندما ذهب إلى أن "هؤلاء ليسوا كاذبين ولا مخادعين، ولكنهم ينخدعون، إذ يظنون ما يرونه هو الحق، ولكن كما أن الأسماء الحسنى لها تجلياتها ابتداء من العرش الأعظم وحتى الذرة، فإن مظاهر هذه التجليات في الأكوان والنفوس تتفاوت بالنسبة نفسها، وإن مراتب الولاية التي هي نيل مظاهرها والتشوف بها هي الأخرى متفاوتة"(16). وفى بيان حقيقة النبوة والولاية وما يتصل بهما من الصحبة والكرامة نرى النورسى في التلويح الثامن يقعد مقعد الناقد اليقظ الحريص على ثوابته الدينية التي لا تنأى به عن الدخول في أهل السنة والجماعة، إذ ينعى على هؤلاء المتطرفين المفرطين اعتقادهم أرجحية الولاية على النبوة، وتفضيل الأولياء على الصحابة، وتقديمهم أوراد الطريقة على أذكار السنة النبوية، وظنهم أن الإلهام بمرتبة الوحى وعدم إدراكهم أن الطريقة وسيلة وليست غاية، فيفضلون لذلك الكرامة على فروض الدين، وتوهمهم أن ظلال مقامات الولاية كأنها هي المقام الحقيقى. ويذهب النورسى إلى القول بضد ما نعاه على هؤلاء المتعصبين، مبينا الأسباب التي دفعت بهم إلى الوقوع في هذه المزالق ومقدما الدليل على صدق ما يراه وزور ما ادعوه في بيان كاشف عن فهمه العميق لحقائق الأشياء، واستمداد موقفه من الاستضاءة بنور القرآن الكريم والحديث الشريف لا من سدف أهل الغرور والشطحات(17). وفى صوغ النورسى دعاءه وابتهالاته نجد تطلعه إلى مقولات الصوفية وترديدها في مناجاته إلى جعلها تدور حول التسبيح والتحميد والمناجاة والاستغفار والصلاة والتسليم. وهو في هذا التطلع قد ينسج على منوال تلك المقولات، مثل قوله في الصلاة والتسليم. على رسول الله r: "اللهم صلى على الغوث الأكبر في كل العصور، والقطب الأعظم في كل الدهور، سيدنا محمد الذي تظاهرت حشمة ولايته ومقام محبوبيته في معراجه، واندرج كل الولايات في ظل معراجه، وعلى آله وصحبه أجمعين"(18). وقد يضمنها أدعتيه في نسقها الذي وقف عليه عند أصحاب هذه الدعوات من أهل التصوف والنص على ذلك، مثل قوله: "إلهى الذنوب أخرستنى، وكثرة المعاصى أخجلتنى، وشدة الغفلة أخفتت صوتى، فأدق باب رحمتك وأنادى في باب مغفرتك بصوت سيدي وسندي الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره، ونداءه المقبول المأنوس عند البواب ب: يا من وسعت رحمته كل شيء، ويا من بيده ملكوت كل شيء، يا من لا يضره شيء، ولا ينفعه شيء، ولا يغلبه شيء، ولا يعزب عنه شيء، ولا يؤوده شيء، ولا يستعين بشيء، ولا يشغله شيء عن، ولا يشبهه شيء ولا يعجزه شيء، اغفر لي كل شيء، حتى لا تسألنى عن شيء، إنك على كل شيء قدير"(19). وفى تفسير القرآن الكريم نرى للنورسى رؤية صوفية في تفسير بعض الآيات، ولم تأت هذه الرؤية - فيما نرى - في إطار التفسير الصوفي النظري الذي يقوم على مباحث نظرية وتعاليم فلسفية يحاول الصوفي أن يجد القرآن الكريم ما يؤيدها ويتعسف في فهم الآيات القرآنية وشرحها شرحًا يخرج به ظاهرها الذي يؤيد الشرع وتشهد له اللغة، وإنما أتت رؤيته في إطار التفسير الفيضي الإشاري، وهو: تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة(20). وللتمثيل لذلك نذكر أن نهج الشيخ في تفسير القول الكريم أن يورد كلامه في نقطتين: أولاهما - وجه النظم، وثانيهما تحقيقه، وقد وردت هذه الإشارات في النقطة الثانية من التفسير، ومن ذلك قوله في تحقيق المراد من الحمد وهو إظهار الصفات الكمالية: "إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله نسخة جامعة للكائنات، وفهرستة لكتاب العالم المشتمل على ثمانية عشر ألف عالم، وأودع في جوهره أنموذجا من كل ما أنعم عليه إلى ما خلق لأجله إيفاء للشكر العرفي - الداخل تحت الحمد - وامتثالاً للشريعة التي هي جلاء لصدأ الطبيعة، يصير كل أنموذج مشكاة لعالمة ومرآة له وللصفة المتجلية فيه، والاسم المتظاهر منه، فيكون الإنسان بروحه وجسه خلاصة عالمي الغيب والشهادة، ويتجلى ما تجلى فيهما. فبالحمد يصير الإنسان مظهرًا للصفات الكمالية الإلهية، يدل على هذا قول محي الدين العربي في بيان حديث: "كنت كنزًا مخفيًا فحلقت الناس ليعرفوني"، أي: فخلقت الخلق ليكونوا مرآة أشاهد فيها جمالي"(21). وفى حديث النورسى عن حقيقة الذات المحمدية نسمع أصداء المقومات لتلك الحقيقة عند الصوفية على النحو الذي نجده في كتابات الحلاج وابن عربي وشعر ابن الفارض والبوصيري وغيرهم من الصوفية الذين تحدثوا عن تلك الحقيقة. وهو في هذا الصدى يركز على جانب قدره r ولأثره في الوجود، وتحقيقه الأكمل للغاية من الخلق، دون أن يصرح بما نراه لدى غيره من القول بنظرية سبق النور المحمدي واشتقاق الخلق منه(22). ومن هذا الصدى قوله عن حقيقة الرسول r: "إن الرسول الأكرم r وهو الإنسان الأكمل والدليل الأعظم على الله، وقد أظهر جميع ما بيناه من كمالات الإنسان، مما يدلنا على أن الكائنات مثلما خلقت لأجل الإنسان، أي أنه المقصود الأعظم من خلقها والمنتخب منها فإن أجل مقصود من خلق الإنسان أيضًا وأفضل مصطفى منه، بل أروع وأسطع مرآة للأحد الصمد، إنما هو محمد r وعلى آله وأصحابه.. بعدد حسنات أمته"(23). ويأتي في هذا الإطار حديثه عن مقام النبي r الفريد وشدة قربه عما سواه من خالقه(24)، بيد أننا نجد أن ذلك الصدى قد تقوى نغمته ليقف موقف التلميح بما صرح به الصوفية من رؤى ذاتية وتأويلات خفية، وذلك في حديثه عن امتزاج النور المحمدي بكل الوجود حتى صار ذلك النور مظهرًا ومظهرًا لعناصره وعد سنة كونية كما هو حقيقة روحية(25)، بل وامتداد تلك العلاقة وانعكاسها على عليه وسلم. إذ بالنور الذي أتى منه ستعمر الجنة ودار الآخرة بالجن والإنس، ولولاه لما كانت تلك السعادة الأبدية، ولما عمرت الجن والإنس الجنة، ولا تنعموا بجميع أنواع مخلوقات الجنة، أي لولاه لبقيت الجنة خالية وخاوية من سكنتها"(26). تلك كانت الموضوعات التي تناولها سعيد النورسى في أدبه الصوفي، حاولنا أن نلم بأطرافها في إيجاز لنقف على السؤال الرئيسي في هذه الورقة، وهو: ما وسائل النورسى في التعبير والتصوير في هذه الموضوعات؟ (4) مقومات الرؤية الفنية تتمتع الرؤية الفنية الصوفية بقيامها في منطلقاتها على تجربة روحية عميقة وشعور إنساني فياض وبصر تأملي واع، وفى طبيعتها على تمثيل جانب الصفاء النفسي والبعد عن غلظة الحس وصرامة المنطق، وفى غاياتها على تحقيق الصورة المثلى للأدب الديني الهادف. ومن ثم فهي تدخل باب الأدب من هذا الجانب، وبما تملكه من المقومات الفنية الناهضة بالتعبير عنها في ألق أدبي أخاذ، وتأتى الإجابة عن السؤال المتقدم بالوقوف على مكامن الجمال ومظاهر الإجادة في هذه المقومات. (أ) الصاغة الفنية ففي جانب التعبير عن هذه الرؤية الصوفية يلجأ النورسى إلى الضرب على وتر الصياغة الفنية لمعانيه، والنورسى في هذا الضرب يستعين بثراء الدلالة ودقة التعبير وتخير الأساليب واستخدام البديع، وهو في دقة التعبير يعمد إلى بلاغة الاختيار وحسن الانتفاء لكلماته وإحكام النسج لعباراته، وفى ثراء الدلالة يجعل الألفاظ تستمد إيحاءاتها داخليًا من أعماق النفس وخارجيًا من مخاض الموقف، وفى تخير الأساليب يدرك إمكاناتها الفنية وقدرتها على الوفاء بحق المعنى في النفس والواقع، وفى استخدام البديع نراه يوائم بين بلاغه ألوانه وجمال الاستعمال في الفن والمعنى. في دلالة الألفاظ نرى النورسى ولوعا بتلك المفردات الثرية الإيحاء المحملة بالمعاني الممتدة، ويأتى ذلك الثراء والامتداد من رجوعها إلى عالم الدلالات المعنوية أو اتخاذها رموزًا لمعان غير محددة، ومن ثم ترددت في كتاباته الصوفية كلمات: الوجد والحب، والإشراق والطهر، والقرب والوصل، والأنس والوحشة، والفقر والشكر، والنور والزهر، والشمس والقمر، والحياة والبرزخ، والبذرة والشجرة. نلمح ذلك في الغصن الثاني من الكلمة الرابعة والعشرين، حيث تنقل النورسى في كلمته في "مفاتيح أسرار" بين الشمس المادية والشمس المعنوية، وزهرة الروض وحب الدنيا، وقطرة الماء وصفاء الفكرة، والرشحة المستمدة من الآخر والتعلق بالأسباب، ثم يقفنا في النهاية أمام النماذج الثلاثة في السير والسلوك وهى: الزهرة والقطرة والرشحة ويخاطب كل نموذج بما يجعله جديرًا بالوصول إلى الحقيقة(27)، ونستطيع أن نقف أمام نماذج الدقة في التعبير في صياغة النورسى لثمرات الطريقة في التلويح التاسع وفى مناقشاته وحدة الوجود في اللمعات، وهى دقة نراها تكتنز المعاني الكاملة لحقيقة تلك الثمرات، ونحيط بأبعاد الفكرة وتجليها في براعة وإحكام(28). وفى جانب الأساليب نرى النورسى يتخير من الأساليب ما يراه قادرًا على نقل أبعاد التجربة وتحقيق الجمال الفني لصياغته، ويتفق مع رعاية حال قارئه. ونضرب مثلاً لذلك بتردد حديثه في كتاباته بين الإنشاء والخبر بما لكل منهما من دور فني في التعبير، وفى مقدمة الأساليب الإنشائية يأتى أسلوب النداء الذي يعمد إليه النورسى لجذب المخاطب إليه ودعوته إلى تلبية طلبه والتجاوب مع ما يريده له من الخير والسعادة، وقد وجدنا النداء لذلك يتنوع أداة ومنادى حيث يتوجه به إلى نفسه، مناديا عليها بالاسم والوصف، مثل قوله: "ياأيها السعيد اسمًا والشقى جسمًا ترجع ثمرة العدم على من صار سببا للعدم فلا حق لك في الفخر والغرور"(29)، أو بالضمير مثل قوله: "اعلم يا أنا أن مما أهلكك وأهواك وأهزاك وأذلك وأضلك أنك لا تعطى كل ذي حق مقدار حقه"(30)، أو بالنداء على مكمن الشعور فيه بقوله: "اعلم يا قلبي أن لذائذ الدنيا وزينتها بدون معرفة خالقنا ومالكنا ومولانا ولو كانت جنة فهيجنهم"(31). ومن هذا المنطلق تكررت نداءاته إلى طلابه، وأصحاب الغفلة والضلال، وأعداء الأمة، حتى أضحى ذلك الأسلوب يمثل لونًا من ألوان التواصل الفكري بين النورسى والمخاطبين. بل صار لازمة من اللوازم التي تتردد في دعائه ومناجاته لله عز وجل. وفي باب الخبر رأينا النورسى يعمد إلى الأسلوب الخبرى التقريرى عند ذكره الحقائق الذي يبثها في كلامه، ويتضح ذلك في آرائه التي ذكرها في المثنوي العربي النوري ، وأتى بها في صورة أخبار مرسلة من التأكيد أو مصاحبة له تبعًا لموقف المتلقى من الحقائق التي تحملها ومدى حرصه على تمثلها في نفسه. ومن ناحية استخدام النورسى للبديع في كتاباته الصوفية نراه يدرك دور البديع في تحسين وجوه الكلام وإضفاء الجمال على الكلام، وبخاصة لدى صاحب الرسالة الدينية الحريص على أن يجعل لكلماته مسارب تدخل منها إلى نفس السامع دون تعمل أو افتعال. ومن ثم وجدناه لا يجنح إلى التكلف في البديع، بل يقنع في جانبه اللفظى من التجنيس بالتشابه ومن السجع بتوافق الإيقاع. ولا يقنع في جانبه المعنوى بغير الوصول بالشوط إلى غايته واستقصاء وجوه القول وتعميق دلالة الألفاظ وذلك يلتقي مع مذهبه في استعمال ألوان البلاغة الوارد في قوله: "إعلم أن شرطًا مهما لمزايا علم المعاني وفن البيان - من حيث البلاغة - هو القصد والتعمد، بنصب الأمارات والإشارات الدالة على جهة الغرض فلا تقام للعفوية وزنًا. أما شرط علم البديع والمحسنات اللفظية فهو عدم القصد والعفوية أو القرب من طبيعة المعنى الشبيه بالعفوية(32). ويستطيع القارئ أن يحظى بكثير من الأمثلة للجانب الأول في دعاء النورسى وابتهالاته، التي كان حريصًا فيها على تحقيق السجع والتوازن في بناء جمله وعباراته(33). ونستطيع أن نشير في الجانب الثاني إلى مقابلة النورسى بين وصال الله وفراقه مع، وحسن تعليله الرائع لما ذهب إليه من رؤية، حيث يرى النورسى" أن ثانية واحدة من هذا الوصال ليست كسنة وحدها، بل كنافذة مطلة على حياة دائمة باقية. أما الفراق النابع من نظر الغفلة والضلالة، فلا يجعل السنة الواحدة كالثانية، بل يجعل ألوف السنين كأنها ثانية واحدة"، ثم يأخذ في التعليل لما ذهب إليه مخالفًا بذلك القول المشهور من أن: سنة الفراق سنة وسنة الوصال سنة(34). (ب) الظواهر التعبيرية: ومن المقومات الفنية في أدب النورسى الصوفي احتفاؤه ببعض الظواهر التعبيرية والأسلوبية الدالة على تنبه النورسى لأثر الأدوات الفنية في تحقيق رسالة الأدب وتجسيدها لعنصري المتعة والفائدة، ونحن لا نقف في رصد هذه الظواهر عند حد طرائق التعبير الجزئي، بل يتخطى الفهم لدينا إلى سبل البناء الكلى للنص الأدبي، وفى هذا الإطار نشير إلى ظواهر التكرار، والتفصيل بعد الإجمال أو العكس، والقص والحوار، ويأتي التكرار عند النورسى من منطلق إدراكه الضرورة الفنية والمعنوية للتكرار، وأهميته في ترسيخ الفكرة وتحقيق ما يهدف إليه من غرس مبادئه وآرائه في نفوس المتلقين ودوره في استقصاء وجوه المعنى وأبعاد الكلام. ومن ذلك تكرار ما خرج به من وجوه المعاني في شرح جملة "لا حول ولا قوة إلا بالله" في قوله: "لا حول عن العدم ولا قوة على الوجود إلا بالله. لا حول عن الزوال ولا قوة على البقاء إلا بالله. لا حول عن المضار ولا قوة على المنافع إلا بالله. لا حول عن المعاصي ولا قوة على الطاعات إلا بالله. لا حول عن النقم ولا قوة على النعم إلا بالله. لا حول عن المساوئ ولا قوة على المحاسن إلا بالله. لا حول عن الآلام ولا قوة على الآمال إلا بالله. لا حول عن الظلمات الهائلة ولا قوة على الأنوار المتلألئة إلا بالله العلى العظيم"(35). وعند النورسى أن للتكرار قيمة أخرى، وهى أنه لا يمل مطلقًا بل قد يستحسن ويستحلى. فكما أن في غذاء الإنسان ما هو قوت كلما تكرر حلا وكان آنس، وما هو تفكه إن تكرر مل وإن تجدد استلذ، كذلك في الكلام ما هو حقيقة وقوت للقلوب وغذاء للأرواح كلما استعيد استحسن واستؤنس بمألوفة كضياء الشمس، وفيه ما هو من قبيل الزينة والتفكه، لذته، في تجدد صورته وتلون لباسه(36). ومن هذا المنطلق تكررت في كتابات النورسى الصوفية أحاديثه عن الصوفية والتصوف والأولياء والولاية والطريقة والحقيقة مع الإشارة إلى وجوه البسط والإيجاز فيها ومظان السبق والعود إلى هذه الأحاديث. والنورسى حريص على بلوغ الغاية في دعوته، وتحقيق ما يصبو إليه من إيضاح المعاني واستقرارها في قلوب تلاميذه، والمواءمة بين ما يقتضيه الفن من إيجاز وإحكام، وإظهار ما في نفسه من بسط وتفصيل، ومن ثم تكررت ظاهرة الجمع بين التفصيل والإجمال في كثير من كتاباته وفى مقدمتها الأدب الصوفي، وهو في هذا الجمع لا يسلك طريقة واحدة. فحينا نراه يطلق المعنى مجملاً في كلامه ثم يأخذ في بيانه وتفصيله حتى يطمئن إلى وضوحه لدى متلقيه، وحينا آخر نجده يأتي بالكلام في منحى تحليلي مفصل، ثم يوجز القول فيه وقد استشعر حاجة المتلقي إلى الخروج بنتيجة محددة من هذا الكلام. وتلك سبيل المربى اليقظ الذي يعرف حاجة المتلقي إلى التفصيل أو الإجمال. فمن أمثلة التفصيل والإجمال بسطه القول في اللمعات في بيان "يا باقى أنت الباقى" ثم تحديد المراد منه، أو ما يطلق عليه "حاصل الكلام" في آخر البيان(37). ومن أمثلة الإجمال والتفصيل إخباره في التلويحات عن رؤيته حقيقة الولاية بقوله: "إن سلوك طريق الولاية مع سهولته هو ذو مصاعب، ومع قصره فهو طويل جدًا، ومع نفاسته وعلوه فهو محفوف بالمخاطر، ومع سعته فهو ضيق جدًا"، ثم يأخذ في تفصيل ما أشار إليه من المصاعب والطول والمخاطر والضيق(38). ولأسلوب القص والحوار جود كبير في أحاديث النورسى الصوفية، وإذا كانت قيمة أسلوب النص الفنية تأتى من أثره في حمل النفوس على الدخول في المقاصد السامية التي ترمى إليها القصة والتشوق إلى الوقوف على الغايات النبيلة فيها، فإن أسلوب الحوار يحدث الأثر في الإقناع بالفكرة والاطمئنان إلى المعتقد. ومن منطلق تلك القيمة تنوعت ألوان القص في هذه الأحاديث من قصص حقيقي واقعي أتى به النورسى للتثبت والتهذيب، مثل حكاياته في المكتوب السادس عشر تحت عنوان "أعيش بالاقتصاد والبركة"(39)، أو حكايات تمثيلية كان يضربها لتوضيح الحقائق مثل حكاية الراعيين التي ذكرها في المكتوب الثامن عشر تحت عنوان "المثال والواقع"(40). وفى ميدان الحوار نشاهد الحوار الداخلي الذي يترد في صدر النورسى، فيظهره لتلاميذه حتى يفيدوا منه في تحقيق معنى النفس اللوامة التي تلاحق النفس الأمارة بالحجج والبراهين حتى تستقر في مرفأ الإيمان واليقين، وبجانبه نسمع الحوار الخارجي الذي يدور بين النورسى وغيره من راغب في اطمئنان القلب أو مناوش للمنهج أو مستفسر عن بعض قضايا التصوف، أو بين أناس آخرين يستنطقهم النورسى هذا الحوار في حديثه ليكون الكلام أوقع في النفس وأقرب إلى التصديق ومن الملاحظ أن هذه الحوارات يغلب عليها طابع التساؤل من جهة، وهى من جهة أخرى تتردد بين الحقيقة والتخيل، مما يدل على أهميتها لدى النورسى في كشف الخبايا وتحديد المفاهيم(41). (ج) القيم المعنوية: يعد النورسى من الأدباء الذين يعنون بالمعنى في نتاجهم الأدبي عناية كبيرة، ويهتمون به اهتمامًا يتقدم فيه على الاهتمام بالشكل في العمل الأدبي. ومع يقيننا بأهمية المضمون والشكل وتآزرهما في إنتاج نص أدبي جيد فإن النورسى لا يرى بأسًا في اضطراره إلى تقديم المضمون على الشكل، وإن اعتذر عن ذلك في مقدمة الحديث عن تجليات اسم الله القيوم في رسالة الاسم الأعظم(42). ومن قيم المعنى الفنية التي عن بها النورسى في كتاباته الصوفية: العمق والتتبع لأجزاء الفكر، ومن ذلك تعبيره عن تجليات اسم الحكم على الوجود بقوله: "إن كل ما في الزهرة والثمرة موزون بميزان دقيق، وذلك الميزان مقدر وفق تناسق بديع، وذلك التناسق يسير منسجمًا مع تنظيم موازنة يتجددان، وذلك التنظيم والموازنة يجريان في ثنايا زينة فاخرة، وصنعة متنقنة، وتلك الزينة والاتقان يظهران بروائح ذات مغزى مذاقات ذات حكمة... وهكذا تشير كل زهرة إلى الحكم ذي الجلال إشارات وتدل على دلالات بعدد أزهار تلك الشجرة"(43). ومنها الإلحاح على تأكيد المعنى والتدرج في الكشف والبيان، ومن أمثلته تدرجه في بيان معانى الأسماء الحسنى في رسالة الاسم الأعظم (صـ 72، صـ 86). ومنها: لطافة المعنى وامتداد الظل، وبخاصة في تلك الجمل القصيرة التي أرسلها في أحاديثه الصوفية إرسال الحكم والأمثال عن المرشد والطبيب والوسائل والغايات. ومنها: التوازن بين الفكر والوجدان في كتاباته. ذلك أن النورسى مع حرصه على تجلية المعنى في أدبه فإنه كان يدرك أن الأدب المثالي أدب الفكرة والشكل معًا، ومن ثم نراه يحدث في مقولاته في الأدب الصوفي التوازن الأدبي في أجواء المتعة والفائدة وذلك ما حفل به الحديث عن رسائل النور الذي يرى فيه أن أخص خصائصها أنها تتحرك بخطى اتحاد العقل والقلب معًا وامتزاجهما، وتعاون الروح واللطائف الأخرى (أنوار الحقيقة صـ 121). (د) التصوير الأدبي: ومن مقومات الفن في كتابات النورسى الصوفية قيام نسجها على عنصر التصوير الأدبى، ذلك أن الرجل كان يذهب إلى: "إن حلل الكلام أو جماله وصورته بأسلوب، أي بقالب الكلام. إذ الأسلوب يتنور ويتشرب ويتشكل باتخاذه تلاحق قطعات الاستعارة التمثيلية المتركبة من الصور، الحاصلة بخصوصيات من تمايلات الخيال، المتولدة بسبب تلقيح الصنعة البيانية أو المباشرة أو التوغل أو دقة الملاحظة"(44). ومن هذا المنطلق كان حريصًا على تحقيق أدبية النص في كتاباته، وقد تعددت وسائل هذا التحقيق بين الاستعانة بالحقيقة في ألقها الفني المعبر، أو التمثيل ودوره في العروج الفني بالمعنى أو التصوير البياني وأثره في إضفاء الحيوية والجمال والعمق على التعبير عما في نفس الأديب من خواطر وأحاسيس. وفى هذا المقام نشير إلى كثرة شواهد التمثيل وتنوعها في كتابات النورسى الصوفية. فقد يأتى في صورة استعارة تمثيلية كاشفة عن التمثيل البياني الذي يتخذ التشبيه والاستعارة سبيلاً لبنائه، وقد تردد ذلك كثيرًا في وصف الحياة والموت والدنيا والآخرة، وقد يأتى في صورة التمثيل الكلى الذي يجمع أطراف الصورة كلها مثل التمثيل بالزهرة والفطرة والرشحة وعلاقة كل منهما بالشمس في أنوار الحقيقة (صـ 186) وقد يأتي في صورة التمثيل للمعانى والأحوال بالمحسوسات، مثل تمثيل تفاوت تأثير الزمن بدوائر حركة عقارب الساعة (صـ 17) وتمثيل حالة طلاب النور بحكاية الرجل الصالح وزوجته وعزوفهما مع فقرهما عن لبنة الذهب حرصًا عليها في الجنة (صـ 125). أو التمثيل للمواقف بما يقربها من الأذهان، مثل تمثيل صاحب الشطحات بالضابط الصغير الذي تستخفه نشوة القيادة (صـ 67) وتمثيل اكتشاف الأقربية الإلهية بالقرب من الشمس (صـ 114). ولا نستطيع الاستطراد في سرد شواهد وسائل التصوير البياني في أدب النورسى الصوفي وهى التشبيه والاستعارة والكناية، فهي تتردد في كثير من ثنايا رسالته التي تجمع مباحثه في التصوف والسلوك، ويكفى أن تقرأ أيضًا واحدًا منها، مثل حديثه عن القرآن الكريم في إطار الكلام عن المرشد، لنرى القرآن الكريم شمس هذه الكواكب السيارة، ونرى استعداد النورسى قاصرًا عن أن يرتشف حق الارتشاف فيض ذلك المرشد الحقيقي الذي هو كالنبع السلسبيل الباعث على الحياة، ونراه يحدثنا عن موقفه من ذلك بأنه لا حاجة إلى الاستضاءة بنور الشموع ما دامت هناك شمس ساطعة(45). (5) الرؤية النقدية؛ أبعاد ونتائج: نود الإشارة إلى أن الرؤية النقدية التي تقدمها هذه الورقة للأدب الصوفي عند النورسى لا تعدو أن تكون مقاربة نقدية، فمن غير المستطاع في هذا المقام أن يكون للتحليل والتقويم وجود بارز في هذه الرؤية، ومن ثم فنحن نكتفي من التحليل باللمحة ومن التقويم بالملاحظة، مع الحرص على أن تنهض اللمحة والملاحظة بالكشف عن الأبعاد والخلوص إلى بعض النتائج، ويتأتى ذلك في النقاط الآتية: (1) أن النورسى استطاع في أدبه الصوفي أن يحقق له عنصر الصدق في التجربة، وذلك يمثل وجهًا من وجوه القيمة في هذا الأدب، ذلك أن الرجل اتخذ في مواقفه وسلوكه طريق الصوفية في التهذيب وإن اختلفت المرشد، ودعا إلى التعرف على الحقيقة الإيمانية وإن كان سبيل تعرفه عليها ليس القلب وحده، وإنما القلب والعقل. ومن ثم كان حريصًا على النص على من يؤخذ عنهم من أهل التصوف السني، وألا يجعل من هفوات بعض المريدين سبيلاً لنقد الصوفية، ولذا فنحن نرى أن النورسى استطاع أن يحقق في هذا الأدب معادلة صعبة تقوم على إحداث التوازن النفسي والعقدي في داخله بين ما يؤمن به مستمدًا من الكتاب والسنة، وبين ما يرتضيه من سبل القوم في وسائل التربية ومدارك السلوك ومعارج الترقي بالنفس الإنسانية حتى يكون المرء عبدًا ربانيًا قلبًا وقالبًا محققًا لرسالته في الحياة. ومن هنا تبدو أهمية الأدب الصوفي عند النورسى الذي نأى فيه عن الشطحات والتهويم، وحرص على إنكار الذات في سبيل الوصول إلى لب الحقيقة. دون أن يغيب عن خاطره حاجة المتلقي في أن يجمع له في أدبه بين ومضات العقل ونبضات الفؤاد: (2) أن الأدب الصوفي عند النورسى يتصف بالجدة والأصالة، وتبدو الجدة في تلك الطلاقة الفنية تمتع بها في الحديث عن لوحات الجمال ومجالي الجلال في الكون وضرب الأمثال، وقدرته على التعبير المتدفق والتصور العميق والتصوير الأخاذ للمعانى والمواقف والأحوال والمقامات، وتتمثل الأصالة في تمسكه برصانة العبارة وصفاء الديباجة والحفاظ على مقومات البلاغة العربية ووسائلها في التعبير والتفكير والتصوير. ولا يعصف بتلك الصفة ما نراه من تطلع النورسى إلى التراث الدينى والإفادة منه في أدبه، مثل تطلعه إلى ابن عطاء الله السكندرى في حكمه، وإلى الشيخ الجيلاني في ابتهالاته، وإلى الإمام الرباني في مقولاته، فإن المتأمل يرى قدرًا كبيرًا من الشيوع الأدبي للمعاني بين علماء الصوفية. وقد نجد النورسى في تأثره بالأدب العربي يتلفت إلى غير الصوفية من أرباب القول وأئمة البيان. فقد بدا لي أن ما ذهب إليه النورسى في سؤاله علم الطب، وعلم الكيمياء، وعلم الزراعة، وعلم التجارة، وعلم التغذية، وعلم العسكرية، وعلم الكهرباء عن معنى اسم الحكم وإجابة كل علم من هذه العلوم بما يتوافق مع طبيعته، أقول: بدا لي أن هذا الصنيع نسج على منوال الجاحظ في رسالة صناعة القواد التي توجه بها إلى المعتصم بالله في تعليم أولاده، ووصيته أن يأخذهم بتعلم كل الأدب، وضرب له مثلاً بالتوجه بالسؤال عن الحرب إلى الحزام، والطبيب، والخياط، والزراع، والخباز، والمؤدب، وصاحب الحمام، والكناس، والشراب، والطباخ، والفراش فوصفها كل منهم بما يراه في مهنته(46). (3) أن النورسى يتمتع في هذا الجانب بحس نقدي كبير مكنه من أن يحدد موقفه من بعض عبارات الصوفية كما مكنه من قبل في وضع الأسس النظرية في فهمه لمسائل البلاغة والأدب العربيين. ففي الميدان الأول نقرأ في قوله: "ولقد عبر سليمان أفندي(47) عن هذا المقام الرفيع - مقام المحبوبية - بقوله: "قد عشقتك"، علمًا أن هذا التعبير مرصاد للتفكر ليس إلا، وإشارة إلى هذه الحقيقة من بعيد ومع ذلك فإن هذا التعبير لكونه يوهم للخيال معنى لا يليق بشأن الربوبية الجليلة فمن الأولى القول: قد رضيت عنك"(48). وفى الميدان الثاني نشير إلى جزء من مقولته الرائعة عن عناصر الفن الأدبى، وهو قوله: "اللفظ يزين ولكن إذا اقتضته طبيعة المعنى وحاجته. وصورة المعنى تعظم وتعطى لها المهابة ولكن إذا أذن بها المعنى. والأسلوب ينور ويلمع ولكن إذا ساعده استعداد المقصود. والتشبيه يلطف ويجمل ولكن إذا تأسس على علاقة المقصود وارتضى به المطلوب. والخيال ينشط ويسيح ولكن إذا يؤلم الحقيقة ولم يثقل عليها"(49). (4) أن النورسى في أدبه الصوفي كان يدرك تمامًا أنه أديب صاحب رسالة وأن هذه الرسالة تتمثل في إبداع أدب هادف يرمى إلى السمو الروحي والنفسي، ومن ثم فإن الغاية الخلقية لم تغب عن خاطره في خضم استغراقه في الإبداع وتحليقه في آفاق الفن، بل إنه كما لاحظنا كان يبدى حرصه على التقاط المعاني النبيلة وتدوينها وإن أثرت طبيعة الالتقاط والتدوين على الصنعة فيها لأنه يرى أن جمال المعاني يجعلها تستغني عن الزينة الظاهرية وذلك يمثل وجها آخر من وجوه القيمة التي يحملها الأدب الصوفي عند النورسى ويجعله كنزًا زاخرًا بالمعاني الفياضة والمثل العليا التي تأخذ بيد مريديه على تعاقب الأجيال إلى مرافئ الإيمان واليقين. (5) أن خصائص الاتجاه الصوفي عند النورسى قد انعكست عليه في أدبه سعة أفق وعمق تأمل ومشرب ذات. وإذا أتينا للتدليل على ذلك في ميدان الرمز الصوفي عند النورسى فإننا نراه يجعل للرمز الصوفي في أدبه روافد متعددة مما وقف عليه عند الصوفية مثل الطير والشراب. أو أفاده من طبيعة الأدب التركي وتوجهه إلى الطبيعة في تشكيل لوحاته الفنية، حتى وجدنا ظواهرها في عالمي السماء والأرض تتزاحم مفرداتها في أدبه(50)، أو من ثقافته اللغوية والبلاغية التي جعلته يقف - كما في صيقل الإسلام - أما إشارات التراكيب ويوظفها في تعبيره الصوفي. وما أدق فهم النورسى لتلك الجملة القاعدية: نفى النفي إثبات، وما أرى إلا أن النورسى اتخذها شعارًا له في تواضعه وإنكار ذاته حتى تم له البقاء المرحلي الذي جمعنا حوله في هذا اللقاء الطيب الجميل، ويحقق له الثبوت في العالم السرمدي مع العلماء العاملين. الهوامش (1) ينظر الحديث في صحيح مسلم. كتاب الإيمان طبعة دار التحرير ج1 صـ 29. (2) ينظر: التصوف والاتجاه السلفى في العصر الحديث د. محمد مصطفى حلمى. دار الدعوة صـ 16. (3) أنوار الحقيقة. مباحث في التصوف والسلوك من كليات رسائل النور للنورسى صـ 173، صـ 174. (4) ينظر السابق صـ 176. (5) ينظر: الفكر الأدبي والدينى عند الداعية الإسلامي بديع سعيد النورسى. سمير رجب محمد. سوزلر للنشر صـ 288 وما بعدها. النورسى متكلم العصر الحديث د. محسن عبد الحميد. سوزلر للنشر صـ 204. (6) ينظر على سبيل المثال: رأى النورسى في وحدة الوجود (أنوار الحقيقة صـ 203)، ورأى ابن القيم فيها (مدارج السالكين، دار الكتب العلمية ج1 صـ 175). (7) أنوار الحقيقة صـ 235. (8) السابق صـ 62. (9) السابق صـ 59. (10، 11) السابق صـ 66. (12) السابق صـ 54. (13) السابق صـ 53، صـ 57. (14) السابق صـ 94. (15) السابق صـ 20. (16) السابق صـ 69. (17) السابق صـ 89 وما بعدها. (18) أنوار الحقيقة صـ 97. (19) المثنوي العربي النوري صـ 325. وينظر فيه - على سبيل المثال - صـ 134، 194، 237،. 261، 281، 323،372، 392. وقد تكررت هذه الأدعية والابتهالات في المكتوبات وغيرها من كتب النورسى، مما يجلها جديرة بالبحث في إطار ودراسة: فن الابتهال في أدب سعيد النورسى. (20) ينظر: التفسير والمفسرين د. محمد حسين الذهبي. مكتبة وهبة ج2 صـ 237، صـ 238. (21) إشارات الإعجاز في مظآن الإيجاز صـ 35. (22) ينظر: فصول في الشعر ونقده د. شوقى ضيف. دار المعارف. مبحث الحقيقة المحمدية في مدائح البوصيرى النبوية صـ 229، ابن الفارض والحب الإلهى د. محمد مصطفى حلمى. دار المعارف صـ 352 وما بعدها. (23) رسائل النور: الاسم الأعظم صـ 140. (24) المثنوي العربي النوري صـ 78، صـ 79. (25) المثنوي العربي النوري صـ 214، وينظر السنة النبوية سنة كونية وحقيقة روحية أديب إبراهيم الدباغ صـ 20، 22. (26) رسائل النور: المعراج النبوى صـ 80. (27) ينظر: أنوار الحقيقة صـ 186. (28) ينظر: أنوار الحقيقة صـ 94، صـ 222. (29، 30) المثنوي العربي النوري صـ 364، صـ 242، وينظر بديع الزمان النورسى في مؤتمر عالمى حول تجديد الفكر الإسلامي (1992) سوزلر للنشر صـ 194. (31) المثنوي العربي النوري صـ 203. (32) صيقل الإسلام صـ 115. (33) ينظر على سبيل المثال: المثنوي العربي النوري صـ 239. (34) ينظر: أنوار الحقيقة صـ 18، صـ 19. وينظر المقابلة بين أثر الإيمان والكفر على صاحبيهما في المثنوي العربي النوري صـ 158. (35) المثنوي العربي النوري صـ 247. (36) إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز صـ 49. (37) أنوار الحقيقة صـ 12 وما بعدها. (38) أنوار الحقيقة صـ 62 وما بعدها. (39) أنوار الحقيقة صـ 156. (40) أنوار الحقيقة صـ 205. (41) ينظر نماذج لذلك في مواطن متفرقة في رسالة أنوار الحقيقة التي تدور حول مباحث في السلوك والتصوف. (42) ينظر نعيه على المتأخرين تحويل الذوق البلاغى من مجراه الطبيعى للفكر وهو نظم المعانى إلى صنعة اللقظ، وكشفه عن منحاه في الكتابة الذي يرى فيه أنه جمال المعانى بذاتها يجعلها مستغنية عن الزينة الظاهرية وأنه يؤثر الأسلوب العربي الرصين لنشأته في الجبال فلم يتعلم الخياطة الحديثة (صيقل الإسلام صـ 97، صـ 94)، واعتذاره عن اضطراره إلى تقديم المضمون على الشكل في مقدمة الحديث عن اسم الله القيوم. (أنوار الحقيقة صـ 100). (43) الاسم الأعظم صـ 33. (44) صيقل الإسلام صـ 100. (45) ينظر أنوار الحقيقة صـ 176 وما بعدها. (46) رسائل الجاحظ. تحقيق عبد السلام هارون مكتبة الخانجى ج1 صـ 379. (47) هو سليمان جلبى (ت 780ه) صاحب كتاب وسيلة النجاة الذي ضمنه قصيدته في المولد النبوى. (48) المعراج النبوى صـ 83. (49) صيقل الإسلام صـ 98. (50) في الأدب العربي والتركى د. حسين مجيب المصرى. دار النهضة المصرية صـ 120. المصادر والمراجع 1 - ابن الفارض والحب الإلهي د. محمد مصطفى حلمي دار المعارف 1971. 2 - الاسم الأعظم. من كليات رسائل النور للنورسى ترجمة إحسان قاسم الصالحى. سوزلر للنشر ط3 2000م. 3 - إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز. بديع الزمان سعيد النورسى. تحقيق إحسان قاسم الصالحى دار الأنبار. ط1 1989م. 4 - أنوار الحقيقة من كليات رسائل النور للنورسى ترجمة إحسان قاسم الصالحى. سوزلر للنشر ط1 2002م. 5 - بديع الزمان سعيد النورسى أبحاث المؤتمر العالمى حول تجديد الفكر الإسلامي باسطنبول سوزلر للنشر 1993م. 6 - التصوف والاتجاه السلفى. د. محمد مصطفى لحمى دارالدعوة للطباعة والنشر والتوزيع 1982م. 7 - التفسير والمفسرون د. محمد حسين الذهبى. مكتبة وهبة بالقاهرة ط3 1985م. 8 - رسائل الجاحظ. عمرو بن محبوب الجاحظ. تحقيق عبد السلام هارون ج2 مطبعة الخانجى بالقاهرة. 9 - السنة النبوية سنة كونية وحقيقة روحية. أديب إبراهيم الدباغ. دار النيل للطباعة والنشر ط1 2005م. 10 - صحيح مسلم. الإمام مسلم بن الحجاج النيسابورى. طبعة دار التحرير القاهرة 1383هـ. 11 - صيقل الإسلام. بديع الزمان سعيد النورسى. ترجمة إحسان قاسم الصالحى. سوزلر للنشر ط2 1995م. 12 - فصول في الشعر ونقده. د. شوقى ضيف. دار المعارف ط3 1988. 13 - الفكر الأدبي والدينى عند الداعية الإسلامي بديع الزمان سعيد النورسى. 14 - في الأدب العربي والتركى. د. حسين مجيب المصرى مكتبة النهضة المصريةى 1962م. 15 - المثنوي العربي النوري . بديع الزمان سعيد النورسى. تحقيق إحسان قاسم الصالحى. شركة معمل ومطبعة الزهراء الحديثة المحدودة. العراق 1988م. 16 - مدارج السالكين أبو عبد الله محمد بن قيمى الجوزية. دار الكتب العلمية بيروت ج1 ط2 1988م. 17 - المعراج النبوى. الاسم الأعظم. من كليات رسائل النور للنورسى ترجمة إحسان قاسم الصاليح. سوزلر للنشر ط3 2000م. 18 - النورسى متكلم العصر الحديث. د. محسن عبد الحميد سوزلر للنشر 1995م. İstanbul İlim ve Kültür Vakfı The Istanbul Foundation for Science and Culture مؤسسة إستانبول للثقافة والعلوم nuronline
Posted on: Tue, 03 Sep 2013 22:13:22 +0000

Trending Topics



Recently Viewed Topics




© 2015